أول ميناء ذكي في مصر.. رحلة دمياط البحرية من المراكب النهرية إلى سفن الحاويات العملاقة

في 26 يوليو من عام 1986، لم يكن افتتاح ميناء دمياط حدثًا عاديًا في سجل البنية التحتية المصرية، بل كان بداية لتحول جذري في خريطة النقل البحري واللوجستيات، ونقطة انطلاق نحو طموح اقتصادي أرادت به مصر أن تعيد رسم موقعها كمركز للتجارة العالمية.

إرث من التاريخ.. رحلة ميناء دمياط البحرية منذ العصور القديمة

منذ عصور الفراعنة، كان لثغر دمياط شأنٌ عظيم، إذ شكّل نقطة التقاء بين الشمال والجنوب، واستقبل السفن من البحر المتوسط والمراكب النهرية من نهر النيل، واستمر هذا الدور التاريخي في العصر اليوناني والروماني، مرورًا بالفاطميين والأيوبيين، حيث كان الميناء من أهم الثغور التجارية التي تضاهي كبرى موانئ أوروبا.

وفي العصر العثماني والقرن التاسع عشر، احتفظ ميناء دمياط بمكانته كأحد أهم بوابات مصر التجارية، وشهد نشاطًا تجاريًا وحربيًا، حيث صُنعت فيه السفن والمراكب الحربية، ليظل شريانًا نابضًا بالحياة والازدهار.

ميناء دمياط قديما
نموذج من ميناء دمياط خلال العصور القديمة

من الحلم إلى الواقع.. ميلاد ميناء دمياط الحديث

مع بدايات الثمانينيات، وُضعت رؤية طموحة لإحياء دور دمياط التاريخي بإنشاء ميناء حديث يواكب المتغيرات العالمية. وبناءً على القرار الجمهوري رقم 317 لسنة 1985، تأسست هيئة ميناء دمياط، وتم افتتاح الميناء رسميًا في يوليو 1986 بـ14 رصيفًا.

ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف التطوير، بل تسارعت وتيرته، لتتحول المساحة الإجمالية للميناء إلى 12.5 مليون متر مسطح، تحتضن 36 رصيفًا بطول إجمالي 9 كيلومترات، ومرافق حديثة تربطه بشبكات السكك الحديدية، والنقل النهري، والطرق البرية، مما جعله أحد أكثر الموانئ تكاملًا على ساحل المتوسط.

اقرأ أيضاً: موعد طرح أول سيارة كهربائية من إنتاج شركة النصر المصرية| هل تم تحديد سعرها؟

موقع استراتيجي.. وشبكات لوجستية متطورة

يتميز ميناء دمياط بقربه من موانئ البحر المتوسط، وبُعده المناسب عن قناة السويس، ووسط الدلتا، والمناطق الصناعية في دمياط الجديدة، مما يجعله خيارًا مثاليًا لحركة التجارة الدولية.

ويستفيد الميناء من تكامل وسائل النقل داخله، عبر سكك حديدية بطول 23.6 كيلومتر، وقناة ملاحية بطول 4.5 كيلومتر تربطه بالنيل، و22 كيلومترًا من الطرق البرية، إلى جانب توافر بنية تحتية لتخزين الحبوب والغلال بطاقة 220 ألف طن.

ميناء دمياط
ميناء دمياط في بدايات إنشاءه

ريادة في التحول الذكي والبيئي

منذ عام 2004، اتجه ميناء دمياط نحو التحول إلى “ميناء ذكي” (Smart Port)، عبر تطبيق الأنظمة الآلية، والنافذة الواحدة، وميكنة إجراءات التشغيل. كما كان من أوائل الموانئ في الشرق الأوسط التي تطبق معايير “الميناء الأخضر” (Green Port)، وحصل على شهادات الجودة والبيئة والسلامة والصحة المهنية، مع التزامه بمدونة ISPS لأمن السفن.

ويعد رائدًا في تطبيق نظام تزويد السفن بالكهرباء OPS، ونظام “الوصول الآني للسفن” (Just In Time)، مما يساهم في تقليل زمن الانتظار خارج الميناء، وتعزيز حماية البيئة البحرية.

محطات عملاقة… وتوسع مستدام

يضم الميناء ثمان محطات متخصصة منها:

  • محطة الغاز والبتروكيماويات
  • محطتا الحاويات (الأولى وتحيا مصر 1) بساحات تتجاوز 1.7 مليون متر مربع
  • محطات البضائع العامة والصب
  • محطة الغلال والحبوب
  • المحطة النهرية المتصلة بنهر النيل
ميناء دمياط
ميناء دمياط بعد تطويره

مشروعات كبرى لتعزيز القدرة التنافسية

تحت مظلة رؤية الدولة للتحول إلى مركز إقليمي للنقل واللوجستيات، يشهد ميناء دمياط حاليًا تنفيذ عدة مشروعات استراتيجية منها:

  • تعميق الممر الملاحي وحوض الدوران لاستقبال السفن العملاقة
  • إنشاء حواجز أمواج جديدة لحماية الممرات الملاحية
  • تشغيل محطة الحاويات تحيا مصر 1 بطاقة 3.5 مليون حاوية وتشغيل تحالف عالمي
  • تدشين محطة الغلال الجديدة خلف الحاجز الشرقي
  • إقامة محطة متعددة الأغراض “تحيا مصر 2” بطاقة تداول 20 مليون طن وساحة 2.2 مليون م²
  • توريد 4 قاطرات بحرية جديدة لزيادة كفاءة التعامل مع السفن الحديثة
  • تشغيل خط شحن بحري “رورو” بين دمياط وتريستا الإيطالي لدعم صادرات مصر للأسواق الأوروبية
ميناء دمياط
ميناء دمياط

نحو المستقبل.. دمياط في قلب رؤية مصر 2030

ميناء دمياط لم يعد مجرد مرفق بحري، بل تحول إلى مركز إقليمي للخدمات اللوجستية والتجارة الدولية، ومكون رئيسي في الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.

فبين صوت الأوناش، وحركة السفن، وعزيمة العاملين، تمضي رحلة ميناء دمياط بخطى ثابتة، تثبت للعالم أن مصر لا تكتفي بالمنافسة، بل تصنع الريادة.

زر الذهاب إلى الأعلى