إفلاس ميناء إيلات.. كيف أغلق الحوثيون بوابة إسرائيل إلى البحر الأحمر؟

أعلن ميناء إيلات الإسرائيلي إفلاسه رسميًا، وتوقفه عن العمل اعتبارًا من الأحد المقبل، بعد عجزه عن سداد ديونه وتراجع إيراداته بنحو 80% خلال عام واحد.

وفق تقارير صحفية فإن لكن المفاجئ في القرار ليس الإفلاس بحد ذاته، بل أن المتسبب فيه لم يكن صاروخًا أو عملية عسكرية إسرائيلية ـ بل كان الحصار البحري الذي تفرضه جماعة الحوثي اليمنية، والذي شلّ شريان التجارة الوحيد لإسرائيل في البحر الأحمر، دون إطلاق رصاصة واحدة.

إسرائيل تدفع الثمن

منذ أن أعلنت جماعة الحوثي، المتحالفة مع إيران، استهدافها للسفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وباب المندب، بدعوى دعمها لغزة، باتت حركة الملاحة نحو ميناء إيلات شبه متوقفة.

السفن التجارية اضطرت للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، وهو مسار أطول يضيف نحو 17 إلى 22 يومًا إلى الرحلات، مما أدى إلى تضخم كبير في كلفة الشحن وأسعار البضائع، فضلاً عن إلغاء أو تأجيل صفقات تجارية كبرى.

ورغم محاولات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتأمين هذا الممر الحيوي، لم تفلح الجهود في وقف الهجمات الحوثية، ما جعل التهديد واقعًا يوميًا لكل من يفكر بالإبحار نحو إيلات.

انهيار ميناء إيلات بالأرقام

بحسب القناة “12” الإسرائيلية، بلغت إيرادات ميناء إيلات في عام 2024 حوالي 42 مليون شيكل فقط (12.52 مليون دولار)، مقارنة بـ 212 مليون شيكل (63.19 مليون دولار) في 2023، أي بانخفاض بنسبة 80% تقريبًا.

هذا الانخفاض الكارثي دفع بلدية إيلات إلى الحجز على حسابات الميناء بسبب تراكم ديون ضريبية تُقدّر بنحو 10 ملايين شيكل، وهو ما عجل بإعلان إفلاسه وتوقفه عن العمل.

من ميناء استراتيجي إلى منشأة معطلة

ميناء إيلات لم يكن مجرد مرفأ صغير على البحر الأحمر، بل كان رمزًا للانفتاح الإسرائيلي نحو الشرق، ومركزًا رئيسيًا لاستيراد نصف السيارات الواردة إلى إسرائيل، إلى جانب تصدير الأسمدة والمعادن، واحتضانه لخط أنابيب “إيلات – عسقلان” الذي ينقل النفط الخام إلى البحر المتوسط.

لكن مع اختفاء السفن الوافدة، تحولت منشأة الميناء إلى شبه منشأة مهجورة، وقررت الإدارة تسريح نصف العاملين فيها، أي نحو 60 موظفًا من أصل 120، في خطوة تعكس حجم الانهيار.

السفن تتجه غربًا

مع تصاعد التهديدات في البحر الأحمر، تحوّلت السفن التجارية إلى ميناءي أشدود وحيفا على البحر المتوسط، هروبًا من خطر الهجمات الحوثية، وهو ما زاد الضغط على البنية التحتية للموانئ الإسرائيلية في الغرب، ودفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا.

وباتت إسرائيل مجبرة على التخلي عن مينائها الوحيد المطل على البحر الأحمر، والذي فقد مكانته التجارية، وربما الاستراتيجية أيضًا، نتيجة حصار غير تقليدي تنفذه جماعة متمردة من اليمن.

كيف تفوقت تكتيكات الحوثيين على إسرائيل؟

رغم الإمكانيات العسكرية الضخمة لإسرائيل، والدعم الدولي الذي تتلقاه في مجال تأمين الملاحة، إلا أن تكتيكات الحوثيين أثبتت فاعليتها، إذ لم تكن بحاجة لإغراق سفن أو احتلال موانئ، بل فقط لتهديدات متكررة وضربات نوعية مدروسة، دفعت شركات الشحن العالمية لتغيير مساراتها، وتجنب البحر الأحمر تمامًا.

هذا الانتصار البحري غير المعلن يكشف خللاً في منظومة الردع الإسرائيلية، ويفتح الباب أمام تغيّر في موازين القوة بالمنطقة.

البحر الأحمر أمام معادلة جديدة

لا تقتصر التداعيات على إسرائيل فقط، بل تمتد إلى سلاسل الإمداد العالمية، وطرق التجارة بين آسيا وأوروبا، التي أصبحت أكثر تكلفة وأطول زمنًا.

ويحذّر خبراء اقتصاد من أن استمرار التهديدات سيجعل شركات الشحن تفضّل استثمارات بديلة على المدى الطويل، بعيدًا عن البحر الأحمر وباب المندب، ما قد يؤثر على اقتصادات إقليمية مثل مصر والسعودية أيضًا.

ماذا بعد إفلاس إيلات؟

وفق مراقبون فإن إفلاس ميناء إيلات قد يكون جرس إنذار سياسي واستراتيجي، أكثر من كونه أزمة مالية عابرة. فهو يعكس فشل الحكومة الإسرائيلية في حماية أحد أهم مرافقها، ويطرح تساؤلات جوهرية عن مدى قدرتها على الصمود في وجه حرب غير تقليدية، تمتد من غزة إلى اليمن، وتُدار بأساليب جديدة لا تجدي معها الردود التقليدية.

وبينما تُغلق بوابة إسرائيل إلى البحر الأحمر، يبدو أن الحوثيين قد فتحوا لأنفسهم بابًا أوسع في معادلات القوة الإقليمية.

اقرأ أيضا.. مسلمون ولكن | الدروز.. حكاية عقيدة غامضة وديانة بلا شعائر.. ما علاقتهم بـ مصر؟

زر الذهاب إلى الأعلى