للمرة الأولى منذ عقود.. مصر تكتفي ذاتيًا من السكر الأبيض

أعلن مجلس الوزراء اليوم اقتراب البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من السكر الأبيض بحلول مطلع عام 2026، بعد عقود من الاعتماد على الواردات لتغطية الاستهلاك المحلي.

إنتاج قياسي من السكر الأبيض.. وتراجع كبير في الواردات

بحسب بيانات رسمية نشرها المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، انخفضت واردات السكر الخام بنسبة 54.5% خلال الربع الأول من عام 2025 لتسجل 111.1 مليون دولار، مقارنة بـ244.4 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2024، في ظل التوسع في زراعة بنجر وقصب السكر، ورفع كفاءة المصانع المحلية.

ارتفاع إنتاج السكر لأول مرة في تاريخ مصر

وصل إنتاج مصر من السكر في 2025 إلى 2.6 مليون طن، وهو أعلى رقم يتم تسجيله على الإطلاق، مقارنة بـ2.3 مليون طن عام 2014، وتُشير التقديرات إلى ارتفاع الإنتاج إلى 2.9 مليون طن عام 2026، ما يعني إنهاء الحاجة إلى الاستيراد نهائيًا.

أزمة السكر الأخيرة: كسر في البطاقة التموينية وغياب من الأسواق

شهدت الأسواق المصرية في أواخر 2023 وأوائل 2024 أزمة حادة في السكر، تسببت في اختفاءه من المنافذ وارتفاع سعر الكيلو إلى أكثر من 50 جنيهًا، وسط شكاوى من عدم توافره في البطاقات التموينية. اضطرت الحكومة إلى استيراد أكثر من 1.2 مليون طن سكر بشكل عاجل وفرض حظر على التصدير لتأمين الاحتياجات المحلية.

مواطن مصري يحصل على كيس من السكر الأبيض بشق الأنفس في أزمة السكر الأخيرة التي ضربت البلاد – زاناشونال

حظر التصدير وتعزيز المخزون الاستراتيجي

ردًا على الأزمة، أعلنت الحكومة تمديد قرار حظر تصدير السكر لأجل غير مسمى، وبدأت في ضخ كميات إضافية عبر المنافذ التموينية وتشديد الرقابة على الأسواق. كما تم رفع حجم المخزون الاستراتيجي من السكر ليكفي من 6 إلى 13 شهرًا، لتفادي تكرار الأزمات مستقبلًا.

السكر الأبيض.. رفيق يومي لا غنى عنه على موائد المصريين

السكر الأبيض يعد مادة أساسية في غذاء الأسرة المصرية، مستخدمًا في المشروبات الساخنة (الشاي والقهوة)، وصناعة الحلويات والمخبوزات المنزلية. وتُظهر الإحصائيات أن متوسط استهلاك الفرد سنويًا نحو 51.4 كغم بحسب تقارير زراعية، وهو ضعف المتوسط العالمي البالغ نحو 26.7 كغم، ما يضع مصر ضمن أعلى دول العالم من حيث استهلاك السكر الأبيض.

من داخل أحد المحال الشعبية المتخصصة في بيع المخبوز المصري الأشهر في الأعياد، كحك العيد أو ‘المعمول’

الاكتفاء الذاتي المرتقب ينهي الأزمات المتكررة

تُعد أزمة 2023/2024 نقطة فاصلة دفعت الدولة لتسريع التحول نحو الاكتفاء الذاتي الكامل. ومع وصول الإنتاج المحلي إلى 2.9 مليون طن عام 2026، تكون مصر قد تجاوزت فجوة العجز التي كانت تتراوح بين 400 و800 ألف طن سنويًا، مما يُنهي عمليًا خطر تكرار أزمات النقص أو اضطراب الأسعار مستقبلًا

توسع في زراعة البنجر.. 750 ألف فدان

توسعت الدولة في زراعة بنجر السكر ليصل إلى 750 ألف فدان خلال موسم 2024/2025، بزيادة 25% عن الموسم السابق، وبإنتاج متوقع يبلغ 2.5 مليون طن، مقارنة بـ600 ألف فدان في 2023/2024 بإنتاج 1.5 مليون طن.

اكتفاء ذاتي بنسبة 81% في مارس 2025

أعلنت الحكومة تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي من السكر وصلت إلى 81% في مارس 2025، وأكدت أنه بدءًا من العام التالي لن تكون هناك حاجة لاستيراد السكر، مع توافر أرصدة تموينية تكفي لمدة 13 شهرًا.

تراجع حاد في الاكتفاء خلال الثمانينات

تُظهر البيانات التاريخية أن مصر كانت تُحقق فائضًا في إنتاج السكر الأبيض عام 1972 بنسبة اكتفاء ذاتي بلغت 118.4%، أي أن الإنتاج المحلي كان يفوق الاستهلاك. لكن مع نهاية السبعينيات، تراجع هذا المعدل بشكل كبير ليصل إلى 55.4% في عام 1980، مما يعني أن مصر أصبحت تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها من السكر.

تطور نسبة اكتفاء مصر الذاتي بين عامي 1972 و2016

تحسن تدريجي منذ الألفينات دون الوصول للاكتفاء الكامل

شهدت الفترة بين 2000 و2016 تحسنًا تدريجيًا في نسب الاكتفاء، حيث ارتفعت من 61.7% عام 2000 إلى 76.5% في 2012، قبل أن تنخفض مجددًا إلى 69.5% في 2016. وتُبرز هذه الأرقام أن مصر لم تتمكن طوال تلك العقود من استعادة الاكتفاء الكامل، مما يسلط الضوء على أهمية التحول الحالي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل اعتبارًا من عام 2026، كما جاء في بيان مجلس الوزراء.

مصانع جديدة ورفع كفاءة خطوط الإنتاج

تشهد صناعة السكر طفرة كبيرة في الطاقة الإنتاجية، شملت:
•مصنع القناة للسكر: الأكبر في العالم بخط إنتاج واحد، بطاقة مبدئية 350 ألف طن سنويًا، مع خطة لرفع الإنتاج إلى 750 ألف طن بحلول 2026.
•مصنع الشرقية بمدينة الصالحية الجديدة بطاقة إنتاجية 240 ألف طن.
•مصنع الدلتا للسكر: تم رفع طاقته اليومية من 14 ألف إلى 21 ألف طن من بنجر السكر.
كما تمت إضافة 8 مصانع لإنتاج سكر البنجر على مستوى الجمهورية.

طفرة في شتلات قصب السكر وزيادة الإنتاجية

تدعم الحكومة إنشاء محطات لإنتاج شتلات قصب السكر لرفع المحصول، أبرزها:
•محطة وادي الصعايدة: بطاقة 160 مليون شتلة ربيعي وخريفي.
•محطة كوم أمبو: بطاقة 30 مليون شتلة ربيعي وخريفي.

دعم مالي مباشر للمزارعين وشراء القصب

ضمن حزمة التحفيز الحكومي:
•تم تخصيص 16 مليار جنيه لشراء محصول القصب عام 2025.
•وتوفير 7 مليارات جنيه لتغطية تكاليف العمليات الصناعية.
•تحديد سعر طن قصب السكر عند 2500 جنيه، وطن البنجر عند 2400 جنيه بدرجة حلاوة 16%.
•صرف علاوة تبكير تبدأ من 200 جنيه/طن لمزارعي البنجر.
•حوافز إنتاج إضافية تصل إلى 50 جنيهًا للطن لمن يزيد إنتاجه عن 30 طنًا، و100 جنيهًا لمن يتجاوز 40 طنًا للفدان.

نحو استقلال غذائي مستدام

تعكس هذه التطورات توجه الدولة نحو تقليل الاعتماد على الخارج في السلع الاستراتيجية، وتحقيق الأمن الغذائي عبر استثمارات زراعية وصناعية متكاملة، تُراعي العدالة في دعم المزارعين، وتُعزز قدرات الدولة على مواجهة الأزمات العالمية في سلاسل الإمداد.

زر الذهاب إلى الأعلى