الحلاوة الأبدية.. عسل مصري عمره 3000 عام في المقابر القديمة صالح للأكل حتى اليوم
في واحدة من أروع الاكتشافات الأثرية، عُثر على جرار عسل مصري عمره 3000 عام مغلقة في مقابر مصرية قديمة، واللافت للنظر أن هذا العسل كان صالحًا للأكل تمامًا حتى الآن.
لا يُتيح هذا الاكتشاف نافذة على الحياة القديمة فحسب، بل يُظهر أيضًا القدرات الحفظية الفريدة للعسل؛ مما يجعله ربما الغذاء الوحيد في العالم الذي يتمتع بفترة صلاحية غير محدودة.
- عسل مصري عمره 3000 عام
كيمياء الخلود.. لماذا لا يفسد العسل أبدًا؟
يُعزى طول عمر العسل إلى تفاعل فريد بين الكيمياء وعلم الأحياء. يحتوي العسل على كمية قليلة جدًا من الماء (16-19%) فقط، وهو شديد الحموضة (درجة الحموضة 3.5)، وهما عاملان يمنعان نمو البكتيريا والكائنات الدقيقة.
إلا أن ما يميز العسل عن غيره من الأطعمة السكرية هو دور النحل؛ فبينما ينتج العسل، يُطلق النحل إنزيم أوكسيديز الجلوكوز، مُولِّدًا بيروكسيد الهيدروجين – وهو مثبط طبيعي للميكروبات. وهذا يُهيئ بيئةً لا تستطيع فيها الكائنات المُفسدة البقاء على قيد الحياة.
علاوة على ذلك، تتميز سكريات العسل بقدرتها على امتصاص الماء، ولكن عند تخزينها في حاويات مُحكمة الغلق، كما فعل المصريون مع جرار الطين والحجر، تُساعد هذه الخاصية في الحفاظ على العسل محفوظًا لآلاف السنين. وبينما قد يتبلور العسل بمرور الوقت، إلا أن هذه العملية غير ضارة وقابلة للعكس ولا تُشير إلى تلفه.
عنصر أساسي للحياة والموت والقداسة
جعلت مرونة العسل جزءًا أساسيًا من حياة المصريين القدماء وموتهم. كان المصريون القدماء من أوائل مُربي النحل المُنظمين، وكان العسل يُقدَّر لما يتجاوز حلاوته بكثير. تُظهر الأدلة الأثرية والفن الهيروغليفي أن العسل لعب دورًا في الطعام والدواء والطقوس الدينية.
دُفن الفراعنة مع العسل لضمان راحتهم في الآخرة؛ وكان يُقدَّم للآلهة كمادة مقدسة ورمزًا للخلود؛ وكان عنصرًا أساسيًا في أكثر من 900 علاج طبي، وفقًا لبرديات قديمة.
كان النحل نفسه موضع تبجيل، إذ يُعتقد أنه وُلد من دموع إله الشمس رع – وهو نقش موجود على المعابد والمقابر. ويؤكد وجود العسل الدائم في مقابر مثل مقبرة توت عنخ آمون أهميته في الثقافة المصرية والحياة الروحية.
اقرأ أيضا.. أكبر الدول العربية جذبًا للسياحة في عام 2024
الإرث العالمي.. العسل عبر العصور
في حين كانت مصر رائدة في تربية النحل محليًا، كان سحر العسل موضع تقدير يتجاوز حدودها بكثير. استخدم الإغريق والرومان العسل في الطعام والدواء والطقوس الدينية. وفي جميع أنحاء العالم، كان العسل يرمز إلى النقاء والشفاء، وحتى الخلود – وهي ارتباطات مناسبة، نظرًا لطبيعته غير القابلة للفساد.
عُثر على أطعمة قديمة أخرى، كالخبز والنبيذ، محفوظة في المقابر، لكن لم يبقَ منها سليمًا – أو صالحًا للأكل – كالعسل. حتى أن علماء الآثار أفادوا بتذوقهم عسلًا عمره 3000 عام ووجدوه مستساغًا، في شهادة على براعة الحرفيين القدماء وعلم الطبيعة.
القوة الدائمة للعسل.. الطب والأساطير
حتى اليوم، يُحتفى بالعسل لخصائصه المضادة للبكتيريا والشفائية. ويدعم استخدامه في العناية بالجروح كلٌّ من الممارسات القديمة والطب الحديث. في المستشفيات والمنازل، يبقى العسل علاجًا وغذاءً وتحفةً فنيةً – مقاومًا للزمن والتلف والتحلل.
بصفته أحد أوائل وأفضل الأطعمة الخارقة في العالم، تظل قصة العسل – من مقابر مصر إلى مراكز علاج الصدمات اليوم – مثالًا قويًا على عبقرية الطبيعة وإبداع البشرية.