الصحفيون تحت النيران.. الثمن القاتل للتغطية الإعلامية من غزة

القاهرة (خاص عن مصر)- جلب الصراع الدائر في غزة مخاطر غير مسبوقة على الصحفيين، حيث قُتل ما لا يقل عن 166 عاملاً إعلامياً فلسطينياً خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية.
وفقًا لتقرير الجارديان، يمثل هذا الفترة الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للصحفيين الذين يغطون الأحداث في المنطقة، مما يسلط الضوء على المخاطر المتزايدة التي يواجهها أولئك الملتزمون بتوثيق الحرب.
بموجب اتفاقيات جنيف، لا يعتبر الصحفيون أهدافاً عسكرية مشروعة، ومع ذلك لا يزال هؤلاء الأفراد يتعرضون للقتل والإصابة والهجوم أثناء قيامهم بعملهم الحيوي المتمثل في إعلام العالم.
مع بدء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تطالب منظمات حرية الإعلام بمزيد من فرص الوصول للصحفيين الأجانب والمساءلة عن جرائم الحرب المزعومة.
التضحية غير المرئية للصحفيين في غزة
أكد تيبوت بروتين، المدير العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، على الحقائق القاسية التي يواجهها الصحفيون في غزة. وقال: “على مدى 15 شهراً، تعرض الصحفيون في غزة للتشريد والتجويع والتشهير والتهديد والإصابة والقتل على يد الجيش الإسرائيلي”.
على الرغم من هذه المخاطر، ظل الصحفيون في غزة، يخاطرون بحياتهم لإعلام الجمهور على المستويين المحلي والعالمي. وفي حين منعت إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول غزة، لا يزال الصحفيون المحليون يتحملون وطأة هذا الصراع العنيف.
قصص مأساوية لثلاثة صحفيين
في حين يتصارع العالم مع عواقب هذه الأحداث المأساوية، فإن قصص ثلاثة صحفيين فقدوا حياتهم أو أصيبوا بجروح تشكل شهادة قاتمة على الثمن الباهظ الذي دفعه الصحفيون لتغطية الأحداث من غزة.
أقرا أيضًا: نمو واستثمارات وتوسع استراتيجي.. ازدهار صناعة الطيران في مصر
أيمن الجدي: النداء الأخير قبل القصف
في الخامس والعشرين من ديسمبر 2024، كان الصحفي أيمن الجدي ينتظر بفارغ الصبر ولادة طفله الأول. فقد رافق زوجته الحامل دانيا إلى مستشفى العودة في مخيم النصيرات للاجئين قبل أن يلتقي بزملاء من شبكة القدس اليوم التلفزيونية.
لكن الإثارة التي شعر بها عندما أصبح أباً انقطعت بشكل مأساوي عندما تعرضت السيارة الصحفية التي كان يستقلها مع أربعة صحفيين آخرين للقصف في الساعة الثانية صباحاً. وأسفر الهجوم عن مقتل جميع الصحفيين الخمسة، بما في ذلك الجدي. ولم تعلم زوجته، التي كانت لا تزال في المخاض، بالهجوم حتى ساعات لاحقة عندما أنجبت ابنًا، ولم تلتق بوالده أبدًا.
وأكدت قوات الدفاع الإسرائيلية الضربة، لكنها زعمت أن السيارة استهدفت لأنها كانت تحتوي على أعضاء من خلية إرهابية تابعة للجهاد الإسلامي.
مع ذلك، انتقدت منظمة مراسلون بلا حدود ومنظمات أخرى لحرية الصحافة هذا الادعاء بشدة، مؤكدة أن الاستهداف المتعمد للصحفيين يعد جريمة حرب. ولم يقدم جيش الدفاع الإسرائيلي بعد أي دليل ملموس يربط الصحفيين المتوفين بالأنشطة المسلحة.
إيمان الشنطي: صوت التغيير الذي تم إسكاته
قُتلت إيمان الشنطي، المذيعة المخضرمة من غزة، في غارة جوية إسرائيلية في 11 ديسمبر 2024، مع زوجها وأطفالها.
قبل ساعات قليلة من وفاتها، نشرت الشنطي رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي أعربت فيها عن عدم تصديقها أنها وعائلتها نجوا من 14 شهرًا من القصف الإسرائيلي المتواصل. “كيف يمكن أن نكون على قيد الحياة حتى الآن؟” كتبت، وهي لا تعلم أن الهجوم على شقتها سيودي بحياتها وحياة أحبائها.
يعتقد زملاء الشنطي وجماعات حرية الصحافة أن عائلتها كانت مستهدفة بشكل خاص بسبب عملها كصحفية. كانت الصحفية السابعة والعشرين التي تُقتل في غزة منذ بدء الحرب.
وأشارت كيران نازيش، مديرة تحالف المرأة في الصحافة، إلى أن مقتل الصحفيات في المنطقة مأساوي بشكل خاص، مشيرة إلى فقدان خمس صحفيات في فترة 24 ساعة فقط في العام الماضي.
سلمى قدومي: المصورة الجريحة
في 18 أغسطس 2024، كانت المصورة المستقلة سلمى قدومي تقوم بتغطية الأحداث في خان يونس عندما فتحت دبابة إسرائيلية النار عليها وعلى زملائها، الذين كانوا جميعًا يرتدون سترات صحفية يمكن التعرف عليها. وبينما نجت قدومي من الهجوم، قُتل زميلها إبراهيم محارب.
أصيبت قدومي برصاصة في ظهرها وتركت بإصابات جسدية دائمة تمنعها من مواصلة عملها كما كانت من قبل. “ما الفائدة من هذه السترات الصحفية إذا لم تحمينا؟”، علقت وهي تتأمل المفارقة المريرة في أن سترة الصحافة، التي كان من المفترض أن تدل على الحياد، جعلتهم بدلاً من ذلك أهدافًا رئيسية.
تؤكد تجربة القدومي على المخاطر التي يواجهها الصحفيون في غزة، حيث يُنظر إلى وجودهم غالبًا على أنه تهديد وليس حماية. منذ إصابتها، لم تتمكن القدومي من الوصول إلى العلاج الطبي المناسب الذي تحتاجه للشفاء، ولا يزال ألمها يؤثر على قدرتها على العمل.
الدعوة إلى المساءلة وحرية الصحافة
مع استمرار العنف، تدعو منظمات مثل لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود إلى المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب في الهجمات على الصحفيين. وطالبت هذه المنظمات بإجراء تحقيق شامل في مقتل الصحفيين في غزة، وحثت على تحقيق العدالة بدلاً من السماح لثقافة الإفلات من العقاب بالاستمرار.
وفي مواجهة هذه التحديات، يظل الصحفيون الأجانب ممنوعين من دخول غزة، مما يزيد من المخاوف بشأن وصول وسائل الإعلام والشفافية. ويؤكد الخطر المتزايد الذي يواجهه الصحفيون في غزة على أهمية حماية حرية الصحافة في مناطق الصراع وضمان عدم إسكات أو استهداف أولئك الذين يخاطرون بحياتهم لإعلام الجمهور.
الصحفيون كأهداف
إن الوفيات والإصابات المأساوية للصحفيين مثل أيمن الجدي وإيمان الشنطي وسلمى القدومي بمثابة تذكير بالتضاريس الخطرة التي يتعين على الصحفيين التنقل فيها في مناطق الصراع. لقد دفع هؤلاء المراسلون الثمن الأغلى في التزامهم بتوثيق الحقيقة، ولابد وأن تكون قصصهم بمثابة حافز لتوفير قدر أعظم من الحماية للصحفيين في مختلف أنحاء العالم.
وفي حين قد يجلب وقف إطلاق النار هدنة قصيرة، فإن السؤال الأوسع يظل مطروحا: كم من الوقت سوف يستغرقه المجتمع الدولي لضمان عدم اعتبار الصحفيين أهدافا للحرب؟ وإلى أن تتحقق العدالة، فإن التضحيات التي قدمها هؤلاء الصحفيون سوف تظل تتردد في صرخات أولئك الذين فقدوا حياتهم في السعي وراء الحقيقة.