الصين تنشئ مدينة تصنيع في دولة عربية بـ8 مليارات يوان.. ماذا ستنتج؟
في وقت تتسارع فيه المنافسة العالمية على تأمين سلاسل الإمداد للطاقة النظيفة، خطت الصين خطوة استراتيجية جديدة نحو قلب الخليج، مستثمرة في سلطنة عمان مشروعا بمليارات اليوان لتصنيع مواد بطاريات الليثيوم.
فقد أعلنت شركة تشونجكي إلكتريك الصينية عن استثمار ضخم بقيمة 8 مليارات يوان صيني لتشييد مدينة تصنيع متقدمة لإنتاج مواد بطاريات الليثيوم في ميناء صحار والمنطقة الحرة بعُمان، في خطوة تُعد من أكبر مشاريع الصين في السلطنة حتى اليوم.
ووفقا لـ “آسيا بيزنس أوت لوك”، فإن هذا المشروع ليس فقط مجرد إضافة نوعية لعلاقات البلدين، بل هو أيضا لبنة أساسية في سلسلة التوريد العالمية لمواد الطاقة النظيفة.
بهذه الخطوة، تضع عُمان قدما قوية على مسار التحول الصناعي المستدام، وتمنح الصين بوابة جديدة لتوسيع نفوذها في منطقة تُعد من أكثر المناطق الجيوسياسية حساسية في العالم.
ويعكس هذا التحالف التوجه المتسارع للصين نحو تعزيز نفوذها الصناعي في غرب آسيا، وفي وقت تسعى فيه دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط، مما يفتح الباب أمام تحالفات نوعية في الصناعات الخضراء.
منشأة عملاقة على مرحلتين
ومن المقرر أن يتم تنفيذ المشروع على مرحلتين متتاليتين، حيث تستغرق كل مرحلة 36 شهرا. وتهدف المنشأة إلى إنتاج 100 ألف طن سنويا من أنود بطاريات الليثيوم، مع تركيز مباشر على الأسواق العالمية التي تشهد ارتفاعا كبيراً في الطلب على تكنولوجيا تخزين الطاقة والمركبات الكهربائية.
ويرى مراقبون أن قدرة المشروع على جذب مستثمرين إضافيين خلال مراحل التنفيذ، يعزز فرص تحوله إلى نقطة ارتكاز صناعية في المنطقة، ليس فقط للصين، ولكن لاقتصادات الخليج ككل.
تأجيل مشروع المغرب: إعادة تموضع استراتيجي لصالح عُمان
وما أثار الانتباه في هذا الإعلان، هو ما تردد عن تأجيل مشروع صيني بقيمة 694 مليون دولار في المغرب لصالح تمويل المشروع العُماني.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة تعبّر عن إعادة تقييم استراتيجية من جانب بكين، انحازت لصالح البيئة الاستثمارية العُمانية الجاذبة، خصوصاً في المنطقة الحرة بصحار التي تتمتع بموقع جغرافي متميز على طرق التجارة الدولية، إلى جانب حوافز ضريبية وتنظيمية محفزة.
حضور صيني متنامٍ في طاقة عُمان المتجددة
ولا تُعد هذه الخطوة فريدة من نوعها في العلاقات الثنائية بين البلدين. فقد شهد عام 2024 استثمارات صينية تقدر بـ 6.6 مليار دولار أمريكي في عُمان، منها 76% في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات.
أما في العام الجاري، فقد واصلت الصين توسيع نفوذها عبر مشاريع كبرى تشمل: مصنع لتوربينات الرياح بقيمة 200 مليون دولار، ومحطة طاقة شمسية في شمال البلاد بقيمة 564 مليون دولار، طورتها شركة جي إيه سولار الرائدة.
وتأتي هذه المشاريع في سياق رؤية أوسع تتبناها الصين لترسيخ وجودها في التحول الطاقي بالشرق الأوسط، بالتوازي مع خطط عُمان الصناعية ورؤية 2040.
عُمان في طريقها لتصبح مركزا للصناعات الخضراء
ويرى محللون اقتصاديون أن هذه التطورات تضع عُمان في موقع الريادة الإقليمية في الصناعات الخضراء. ويؤكد الخبراء أن احتضان استثمارات تكنولوجية عالية الجودة من الصين، يعزز قدرة السلطنة على التحول إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة وتقنيات تخزينها.
اقرأ أيضا.. ثورة عمرانية في عمان.. “طلعت مصطفى” و”الأهلي صبور” أبرز اللاعبين
كما تندرج هذه الخطوة ضمن استراتيجية الصين الأكبر في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، بما يخدم توسعها الاقتصادي الدولي ويمنح عُمان فرصة فريدة لتعزيز دورها كمركز لصناعات القيمة المضافة بدلاً من الاكتفاء بتصدير الموارد الأولية.
عمان على أعتاب تحول صناعي تاريخي
ويُشكل مشروع بطاريات الليثيوم الجديد بداية قوية لعهد صناعي جديد في عُمان، ليس فقط من حيث حجم الاستثمار بل لما يحمله من أبعاد استراتيجية وجيوسياسية.
ومع تسارع الطلب العالمي على المواد المرتبطة بالطاقة النظيفة، تضع عُمان نفسها كلاعب مركزي في مشهد الطاقة العالمي، ما يعزز دورها كـ جسر اقتصادي بين آسيا، أفريقيا وأوروبا.