الفنانون السود يزعمون انتمائهم لمصر القديمة خلال معرض المتروبوليتان للفنون
القاهرة (خاص عن مصر) – يعد معرض بعنوان (الهروب إلى مصر: الفنانون السود ومصر القديمة، 1876-الآن)، الذي سيُفتتح في 17 نوفمبر 2024، استكشافًا ثوريًا للروابط العميقة بين الفنانين السود ومصر القديمة، وفقا لتقرير نيويورك تايمز.
وبحسب تقرير، أرونا ديسوزا، في نيويورك تايمز، يمثل المعرض لحظة محورية في كيفية تقاطع التاريخ والهوية والفن، ويقدم منظورًا جديدًا للتراث الثقافي لمصر من خلال عدسة الفنانين الأمريكيين من أصل أفريقي.
ما يميز هذا المعرض هو إدراجه غير المسبوق للعروض الحية، مما يسمح للزوار بتجربة الفن في الوقت الفعلي، وليس فقط كمراقبين سلبيين للقطع الثابتة.
العلاقة طويلة الأمد بين الفنانين السود ومصر القديمة
على مر التاريخ، ادعى الفنانون السود أن مصر القديمة جزء من تراثهم الثقافي، على الرغم من محاولات الأوساط الأكاديمية ومؤسسات الفن السائدة لقطع هذه الروابط.
من الشخصيات الرئيسية في هذه المحادثة الفنانة لورين أوغرادي، التي بدأ استكشافها لمصر في ستينيات القرن العشرين، متحدية فكرة أن مصر كانت منفصلة عن أفريقيا. وقد أبرزت قطعة أدائها البارزة، نفرتيتي/ديفونيا إيفانجلين (1980)، التي قارنت صورة الملكة نفرتيتي مع عائلة أوغرادي ذات العرق المختلط، التشابه الجسدي والثقافي بين العائلة المالكة المصرية القديمة ونسبها.
يشكل عمل أوغرادي، إلى جانب أعمال أخرى مثل ألبوم العائلة المختلطة، قلب المعرض، الذي يهدف إلى تأكيد قدرة الفنانين السود على تشكيل هويتهم الثقافية في أعقاب تجارة الرقيق عبر الأطلسي. وبينما كان هؤلاء الفنانون يتصارعون مع تاريخ قطعهم عن جذورهم الأفريقية، أصبح الادعاء بمصر القديمة عملاً قوياً لاستعادة الهوية وتمكينها.
مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية عبر الزمن والوسائط
يضم المعرض، الذي أشرف عليه أكيلي توماسينو وماكلين جروف، ما يقرب من 200 عمل لفنانين أمريكيين من أصل أفريقي مشهورين على مدار أكثر من 150 عامًا.
يشمل المعرض أعمالاً لشخصيات شهيرة مثل آرون دوغلاس ولويس مايلو جونز وجان ميشيل باسكيات وجاكوب لورانس، إلى جانب مساهمات من موسيقيين وفنانين مثل صن را وريتشارد براير وسولانج نولز.
سيعرض المعرض مجموعة واسعة من الوسائط، من اللوحات والمنحوتات التقليدية إلى المنشآت الحديثة وأعمال الفيديو. كما سيسلط الضوء على أغلفة الألبومات والأزياء التي تعكس تأثير مصر القديمة على الثقافة المعاصرة. كل عمل بمثابة شهادة على كيفية استخدام الفنانين السود لمصر كمعيار لاستكشاف موضوعات الهوية والتاريخ والمقاومة.
العروض الحية: بُعد جديد جريء
في خطوة غير مسبوقة لمتحف المتروبوليتان للفنون، سيضم معرض الهروب إلى مصر Flight Into Egypt عروضًا حية طوال المعرض. “هذا “”الهرم”” الذي يعد سمة فريدة من نوعها للمعرض، سيتضمن عروضاً من أحد عشر فناناً سيقدمون أعمالاً مستوحاة من موضوعات مصرية قديمة.
إن دمج الأداء الحي في المعرض ليس بالأمر الجديد في متحف المتروبوليتان، لكنه يمثل المرة الأولى التي يجعل فيها المتحف الأداء محورياً في معرض ما.
الأداء ليس مجرد إضافة جمالية بل هو وسيلة حيوية للتفاعل مع الأسس الثقافية والتاريخية لمصر القديمة. وأكد أكيلي توماسينو، أمين المعرض، أن الأداء جزء لا يتجزأ من سرد العرض.
يوضح أن “”الأداء جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ، ولا يمكنني أن أتخيل إقامة هذا المعرض دون إعطائه المساحة المناسبة له””.
ومن بين العروض أعمال لفنانين مثل كانيزا شال، التي ستستكشف موضوعات من كتاب الموتى المصري من خلال العرض والغناء والرقص. وسيقدم الفنان كليفورد أوينز مقطوعة “”لوكسور سولو”” (الموسيقى التصويرية الصوفية لشبح بود باول)، من تأليف الراحل تيري أدكنز.
تدعو هذه العروض الحية الجمهور لتجربة الأهمية المستمرة لمصر القديمة في التعبير الثقافي الأسود المعاصر.
إعادة تفسير إرث مصر في الحاضر
يسمح التركيز في المعرض على مصر القديمة للفنانين بنقد ومواجهة السرد التاريخي السائد الذي غالبًا ما همش التراث الأفريقي. يستخدم فنانون مثل لوك ستيوارت، الذي يدرس عمله “ترانيم كيميتيك” تأثير مصر على موسيقيين مثل صن را، مصر كنقطة مقابلة لمحو الهوية الثقافية السوداء.
بالنسبة للراقصة سيدرا بيل، قدمت لجنة المتروبوليتان فرصة لاكتشاف كيف احتوت ممارستها للرقص لفترة طويلة على إشارات إلى مصر القديمة، والتي تعترف بها الآن كعلامات رمزية لجذورها الثقافية.
يمنح المعرض أيضًا مساحة لعمل رشيدة بومبري، الذي يستمد الإلهام من الراقصة الأسطورية وخبيرة الأنثروبولوجيا كاثرين دنهام. يستكشف أداء بومبري “Way Down” العلاقة بين تقاليد الرقص الأفريقية والكاريبية والأدوات الروحية المضمنة فيها.
يعكس هذا النهج العابر للحدود الوطنية الموضوعات الأوسع للمعرض المتمثلة في الوحدة والمقاومة ضد قوى الفاشية العالمية.
تأثير “الهروب إلى مصر” على ممارسات المتاحف
يعد معرض “الهروب إلى مصر” لحظة بارزة في برمجة المتاحف، حيث يتجاوز حدود ما يمكن أن يكون عليه المعرض. يتطلب إدراج العروض الحية تحولاً في الطريقة التقليدية التي تعمل بها المتاحف.
كما يشير أمين المتحف ديفيد بريسلين، فإن الطبيعة الديناميكية للفن الحي تتطلب عقلية مختلفة من أمناء المتاحف والموظفين، الذين يجب عليهم التعاون عبر الأقسام لضمان دمج العروض بسلاسة مع العناصر المرئية للمعرض.
ومع ذلك، يسلط المعرض الضوء أيضًا على التوترات المستمرة في كيفية تقديم مؤسسات مثل متحف المتروبوليتان للفنون الأفريقية والمصرية. وعلى الرغم من جهود المتحف لدمج المجموعات الأفريقية والمصرية، فإن الفصل المادي بين هذه المعارض لا يزال يعكس ما يسميه أمين المتحف أكيلي توماسينو “الاستثنائية المصرية”.
في حين يستمر هذا التمييز في المجموعة الدائمة للمتحف، يتحدى معرض “الهروب إلى مصر” هذه الحدود ويقترح فهمًا أكثر تكاملاً للثقافات الأفريقية والمصرية.
الفنانون السود.. الإنتماء لمصر بالإكراه
ورغم أن هولين، مدير متحف المتروبوليتان، تشير إلى مصر باعتبارها “حضارة أفريقية”، فإن معارض مثل “الأصل الأفريقي للحضارة” و”الهروب إلى مصر” من المرجح أن يكون لها تأثير ضئيل على تأكيد هذه الفكرة.
كما أفاد مدير المتحف، بإن متحف المتروبوليتان لن يقدم أشياء من المجموعة المصرية إلى جناح التراث الإفريقي. وقال المتحف في بيان لاحق عبر البريد الإلكتروني: “ستظل مجموعة المتروبوليتان المصرية القديمة حيث كانت دائمًا في الجناح المصري”.
وأضاف إن التمييز المستمر بين المجموعتين يحافظ على ما وصفه توماسينو، في بيان صريح بشكل مدهش في الكتالوج، بـ “الاستثنائية المصرية”.
عمل تخريبي لاستعادة الثقافة
إن معرض “الهروب إلى مصر” في متحف المتروبوليتان للفنون ليس مجرد عرض فني؛ بل هو عمل تخريبي لاستعادة الثقافة. ومن خلال وضع الفنانين السود في مركز محادثة حول مصر القديمة، يعيد المعرض تعريف سرد التراث الأفريقي وأهميته اليوم.
كما يلاحظ الفنان لوك ستيوارت، فإن تقديم هذا العمل في متحف المتروبوليتان للفنون، “في بطن الوحش”، هو بيان جريء حول استعادة الهوية الثقافية في مواجهة التحريف التاريخي. إنه تذكير قوي بأن مصر ليست مجرد جزء من الماضي، بل هي مصدر إلهام مستمر للفنانين الذين يشكلون المستقبل.