القاتل الصامت ينتشر في الخفاء.. خطر مميت يهدد حياة مئات الآلاف في أمريكا

في ظل التغيرات المناخية المتسارعة والتحديات الصحية العالمية، يظهر تهديد جديد يثير قلق العلماء وخبراء الصحة وهو فطر قاتل يُعرف باسم “الرشاشيات الدخناء”. هذا الفطر، الذي لا يُرى بالعين المجردة، يزحف بصمت عبر هواء الولايات المتحدة، حاملا معه خطرا صحيا متزايدا، خصوصا للفئات الضعيفة من السكان.
في هذا التقرير، الذي نشرته صحيفة “ديلي ميل”، نسلط الضوء على أبعاد الأزمة، وآراء الخبراء، والمخاطر الصحية الحقيقية التي قد تتحول إلى كارثة إذا لم يتم التعامل معها بجدية.
انتشار فطري صامت يهدد الأرواح
ويحذر خبراء الصحة العامة والأمراض المعدية من تصاعد خطر فطر الرشاشيات الدخناء، الذي بات ينتشر بسرعة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. فالفطر، الذي ينتقل عبر الهواء، يستنشقه الناس يوميا دون أن يشعروا، وقد يتحول إلى عدوى قاتلة تُعرف باسم داء الرشاشيات، خاصة لدى أولئك الذين يعانون من ضعف المناعة.
ه على “التهام الإنسان من الداخل”، يصفه المختصون بأنه “قاتل صامت”، إذ يهدد حياة الآلاف دون أن يحظى بالتغطية الكافية، أو أن يدرج رسميا ضمن الأمراض التي يجب الإبلاغ عنها في الولايات المتحدة.
الفئات الأكثر عرضة للخطر
ويشكل الفطر أكبر خطر على الأفراد الذين يعانون من ضعف المناعة – مثل مرضى السرطان، والذين يخضعون لعمليات زرع الأعضاء أو الخلايا الجذعية، والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أو الربو المزمن.
وبالنسبة لهؤلاء الأفراد، يمكن أن يتفاقم داء الرشاشيات بسرعة من التهاب رئوي إلى مرض غزوي، يهاجم أعضاء حيوية كالدماغ والقلب والكلى، مسببا مضاعفات مميتة.
وأكد الدكتور فياس، أخصائي الأمراض المعدية في جامعة كولومبيا، على خطورة الوضع قائلا: “هذه الإصابات حقيقية، ولسنا مستعدين لها”.
المناخ عامل تسريع: أين تتفاقم الخطورة؟
وتشير بيانات الباحثين إلى أن ولايات مثل فلوريدا، تكساس، لويزيانا، جورجيا، وكاليفورنيا تسجل أعلى نسب التعرض للفطر؛ إذ يُشكل مناخها الحار والرطب، إلى جانب النشاط الزراعي المكثف، بيئة مثالية لتكاثر فطر الرشاشيات.
كما تواجه المراكز الحضرية والمدن الكبرى مثل نيويورك وهيوستن ولوس أنجلوس مخاطر إضافية بسبب الكثافة السكانية العالية والبنية التحتية القديمة.
ويحذر العلماء من أن تغير المناخ يُسهّل على الفطر نموه وغزوه لجسم الإنسان. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة مانشستر، إذا استمر استخدام الوقود الأحفوري بالمعدلات الحالية، قد يُوسّع النطاق الجغرافي للفطر بنسبة 75% بحلول عام 2100، مما يعرض ملايين السكان للخطر، لا سيما في جنوب الولايات المتحدة.
ونوه المؤلف المشارك في الدراسة، نورمان فان راين، بشدة: “نحن نتحدث عن مئات الآلاف من الأرواح، وتحولات قارية في توزيع الأنواع”.
عدوى قاتلة لا يبلغ عنها
وعلى الرغم من تزايد خطره، لا يُعد داء الرشاشيات مرضا يُبلغ عنه في الولايات المتحدة، مما يعني أن حالات العدوى والاستشفاء والوفيات غالبا ما تمر دون رصد؛ مما يُعقّد مهمة فهم حجم التهديد والاستجابة له بفعالية.
بين عامي 2000 و2013، ارتفعت معدلات دخول المستشفيات بسبب داء الرشاشيات الغازي بنسبة 3% سنويًا. وبحلول عام 2014، سُجلت حوالي 15,000 حالة، بتكلفة علاجية قُدرت بـ1.2 مليار دولار. وصنّفت تقارير تشريح الجثث في وحدات العناية المركزة الفطر ضمن أكثر أربع عدوى تسبب الوفاة.
مقاومة الأدوية تعمق الخطر
وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية فطر الرشاشيات الدخناء كتهديد فطري “ذو أولوية قصوى”. ويتمثل مصدر القلق الرئيسي في تزايد مقاومتها للأدوية المضادة للفطريات، تحديدا الأدوية الآزولية التي تستخدم بكثافة في الطب والزراعة.
كما وجدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة علم الأحياء الدقيقة التطبيقي والبيئي سلالات من الفطر مقاومة للآزول في تربة المزارع في سبع ولايات أمريكية على الأقل.
ويعتقد العلماء أن الإفراط في استخدام هذه الأدوية لحماية المحاصيل يُسهّل تطور الفطر المقاوم، الذي ينتقل بعد ذلك من البيئة إلى الإنسان، مما يُضعف فعالية العلاجات المتاحة.
ويحذر الباحثون: “اختلاط أنواع متعددة من الفطريات يُسرّع من انتشار المقاومة، والمشكلة متجذرة بالفعل في التربة الأمريكية.”
السموم المسرطنة: خطر إضافي طويل الأمد
إلى جانب الإصابات الحادة، تشتهر فطريات الرشاشيات الدخناء بإنتاجها للأفلاتوكسين، وهو أحد أقوى المواد المسرطنة الطبيعية. ويمكن أن يؤدي التعرض لها إلى أمراض خطيرة، بما في ذلك سرطانات الرئة والكبد والكلى والمعدة والطحال.
ويُصاب ما يقدر بـ400,000 شخص سنويا بداء الرشاشيات الرئوي المزمن حول العالم، فيما تسجل الأشكال الغازية من المرض معدلات وفيات مقلقة. إذ لا ينجو سوى 59% من مرضى زراعة الأعضاء بعد عام من الإصابة، بينما تنخفض النسبة إلى 25% بين مرضى زراعة الخلايا الجذعية.
اقرأ أيضا.. بعد إغلاق 15 عاما.. الإمارات تعيد فندق “جراند أوتيل دي بان” إلى مجده بالبندقية
دعوة عاجلة للتحرك
وقد دعت منظمة الصحة العالمية إلى استثمار عالمي فوري في أبحاث الأمراض الفطرية، وتسريع وتيرة الاختبارات التشخيصية، وتوفير أدوية مضادة للفطريات أكثر أمانا وفعالية، وتوفير تدريب متخصص لمقدمي الرعاية الصحية.
كما يحث الخبراء أيضا شركات الأدوية على إعطاء الأولوية لأبحاث الفطريات وضمان إشراك الأطفال في التجارب السريرية.
وفي الوقت نفسه، ينصح الأطباء الأمريكيون الفئات المعرضة للخطر بتجنب التعرض للتربة والعفن، واستخدام الكمامات في البيئات المغبرة، وتوفير أنظمة تنقية هواء في المنازل والمستشفيات.
ولا يعد هذا سيناريو مستقبليا، بل أزمة متفاقمة. وكما أكد الدكتور فياس، “هذا ليس خيالا علميا”.