المغرب والجزائر.. سباق تسلح صامت يشعل شمال إفريقيا

في صمت نسبي، يشهد شمال إفريقيا واحدًا من أخطر سباقات التسلح في القارة، بين جارتين تتسم علاقاتهما بالتوتر الحاد منذ عقود: المغرب والجزائر.

فبينما تغيب التصريحات العدائية المباشرة أحيانًا، فإن الأرقام تتحدث بصوتٍ أعلى: مليارات الدولارات تُضَخ سنويًا لتحديث الترسانات العسكرية، وعشرات الصفقات تُبرم مع كبريات شركات تصنيع السلاح في العالم، وسط سباق نفوذ إقليمي تلعب فيه الجغرافيا والتحالفات والسياسة أدوارًا أساسية.

إعلان

المغرب والجزائر.. سباق تسلح بمليارات الدولارات

وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فقد بلغت نفقات التسلح في الجزائر عام 2023 حوالي 18.3 مليار دولار، فيما أنفق المغرب قرابة 5.2 مليار دولار، ليقترب إجمالي الإنفاق العسكري للدولتين من 23.5 مليار دولار، أي أكثر من نصف ما تنفقه قارة إفريقيا بأكملها على التسلح.

هذا الحجم من النفقات يطرح تساؤلات كثيرة حول الغايات الفعلية من وراء هذا التصعيد، خاصة في ظل معاناة البلدين من تحديات اقتصادية واجتماعية.

أبرز الأسلحة التي اشترتها الجزائر

الجزائر، التي لطالما اعتُبرت القوة العسكرية التقليدية الأكبر في شمال إفريقيا، تعتمد في تسليحها بدرجة كبيرة على روسيا، إذ شكّلت الصادرات الروسية حوالي 48% من وارداتها العسكرية في السنوات الأخيرة.

من أبرز الصفقات التي عقدتها الجزائر:

شراء 42 طائرة هليكوبتر من طراز Mi-171Sh الروسية

صفقة ضخمة لتحديث سلاح الجو، تشمل:

طائرات سوخوي Su-34 قاذفات متطورة.

Su-35  مقاتلات متعددة المهام.

المقاتلة سو 35
المقاتلة سو 35 تدخل الخدمة في القوات الجوية الجزائرية

Su-57 مقاتلات الجيل الخامس الشبحية.

صفقة مدرعات ومدفعية ميدانية متقدمة.

نظام دفاع جوي روسي من طراز S-400 Triumf، وفقًا لتقارير غير رسمية.

رادارات استراتيجية متقدمة من الصين وروسيا، مثل YLC-8B وRezonans-NE القادرة على كشف الطائرات الشبحية.

كما عقدت الجزائر صفقات بحرية ضخمة مع ألمانيا، شملت فرقاطات وأنظمة دفاع ساحلي متطورة، فضلًا عن تعزيز قوتها البرية بمدرعات روسية وأخرى صينية.

المغرب: تنويع الموردين والتركيز على التقنية

على الجهة الأخرى، اتبع المغرب إستراتيجية مغايرة نوعًا ما، تقوم على تنويع مصادر السلاح وتطوير شراكات تكنولوجية وعسكرية مع قوى غربية وإقليمية، خاصة الولايات المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل في السنوات الأخيرة.

أبرز صفقات المغرب تشمل:

الولايات المتحدة (تمثل 69% من وارداته):

شراء 25 مقاتلة F-16 Viper.

أنظمة الدفاع الجوي باتريوت.

المغرب منظومة باتريوت
المغرب تعزز قدراتها الدفاعية بمنظومة باتريوت الأمريكية

راجمات الصواريخ HIMARS.

صفقة ذخائر وعتاد دعم لوجستي بقيمة 239 مليون دولار.

شراء مروحيات هجومية من طراز AH-64E Apache.

فرنسا:

رادارات Ground Master 400.

صواريخ VL-Mica قصيرة ومتوسطة المدى.

إسرائيل:

صفقة طائرات بدون طيار من طراز “هيرمس”.

منظومات مضادة للطائرات المسيّرة.

تكنولوجيا استخبارات ومراقبة.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن المغرب يعمل كذلك على بناء قاعدة صناعية عسكرية محلية بالشراكة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما يشمل تصنيع ذخائر وأنظمة اتصالات عسكرية.

لماذا يوجد سباق تسلح بين المغرب والجزائر؟

الصحراء الغربية… جوهر النزاع

السبب الأبرز والأكثر حساسية لهذا السباق هو ملف الصحراء الغربية. المغرب يعتبرها جزءًا من سيادته الوطنية، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم. هذا النزاع، المستمر منذ أكثر من 40 عامًا، يُعد عاملًا دائمًا في توتر العلاقات بين البلدين، خاصة بعد عودة الأعمال المسلحة المحدودة في المنطقة منذ 2020، وتصاعد خطاب المواجهة في بعض المناسبات.

تنافس إقليمي على النفوذ

في السنوات الأخيرة، برز تنافس واضح بين الجزائر والمغرب في ملفات إقليمية مثل الساحل الإفريقي، وليبيا، والاتحاد الإفريقي. يسعى كل طرف إلى تعزيز موقعه كقوة إقليمية، وهذا ما ينعكس في محاولة كل طرف تقوية جيشه ومكانته الجيوسياسية.

تحالفات دولية متعارضة

العلاقات الدولية تلعب دورًا أساسيًا كذلك. الجزائر حليف استراتيجي لروسيا، بينما يرتبط المغرب بشراكات عسكرية واسعة مع أمريكا وفرنسا وإسرائيل. هذه الانقسامات تضيف بعدًا دوليًا لسباق التسلح، وتجعل من كل صفقة سلاح رسالة سياسية قبل أن تكون مجرد دعم تقني.

المخاطر والتداعيات

هذا السباق المحموم لا يخلو من كلفة سياسية واقتصادية واجتماعية:

اقتصاديًا: يستنزف الإنفاق العسكري المتزايد موارد ضخمة كان يمكن توجيهها نحو الصحة والتعليم والبنية التحتية. الجزائر مثلًا تواجه تحديات في تنويع اقتصادها، والمغرب يعاني من مديونية مرتفعة.

إقليميًا: يهدد سباق التسلح الاستقرار الإقليمي ويثير مخاوف دول الجوار، خاصة تونس وموريتانيا، من تحوّل المنطقة إلى بؤرة توتر عسكري.

سياسيًا: استمرار التوترات قد يعيق أي محاولات للتكامل المغاربي، ويعمّق الانقسامات داخل الاتحاد المغاربي المجمد منذ سنوات.

هل من حلول في الأفق؟

رغم سوداوية المشهد، يرى بعض المحللين أن هناك فرصًا للتهدئة إذا توفرت الإرادة السياسية، عبر وساطات دولية أو إقليمية، وربما عبر جهود أممية جديدة لإحياء مسار السلام في الصحراء الغربية.

ولكن يبقى سباق التسلح بين المغرب والجزائر انعكاسًا لأزمة سياسية ممتدة، تتداخل فيها اعتبارات الأمن والسيادة والتحالفات. وبينما يعزز كل طرف قوته العسكرية، تظل المنطقة مهددة بانفجار مفاجئ أو تصعيد غير محسوب. وحدها الدبلوماسية، إن عادت بجدية، قادرة على إعادة الأمور إلى مسار الحوار بدل المواجهة.

اقرأ أيضاً: تصعيد خطير.. قاعدة “أم العسل” الجزائرية تزيد أجواء التوتر مع المغرب

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى