صراع الضمير.. موظفو التكنولوجيا المسلمون يواجهون أزمة بسبب دعم شركاتهم لحرب غزة
مع توسع أكبر شركات التكنولوجيا في العالم في مشاركتها في الحرب في غزة، تُحاصر أزمة روحية وأخلاقية عميقة الموظفين المسلمين في هذه الشركات.
يتساءل موظفو مايكروسوفت وجوجل وأمازون بشكل متزايد عما إذا كانت وظائفهم تتوافق مع واجباتهم الدينية، مع تزايد الأدلة على أن تكنولوجيا شركاتهم تدعم الحملة العسكرية الإسرائيلية – التي وصفتها بعض هيئات الأمم المتحدة بأنها “تشبه الإبادة الجماعية”.
من الاحتجاج إلى المعضلة الروحية: قصة ابتهال أبو سعد
أبرزت ابتهال أبو سعد، موظفة مايكروسوفت التي فُصلت من العمل بعد احتجاجها العلني على العقود العسكرية للشركة، هذا الصراع بشكل واضح. قبل فصلها، أرسلت أبو سعد بريدًا إلكترونيًا على مستوى الشركة ورسالةً مُوجّهةً إلى مجموعة “المسلمين في مايكروسوفت”: “يا مسلمي مايكروسوفت، برمجيتنا تقتل الفلسطينيين”.
لم تكن دعوتها مجرد دعوة للأخلاقيات العلمانية أو المهنية، بل نداءً مباشرًا إلى الإيمان الإسلامي، حاثةً زملاءها على التفكير فيما إذا كان كسب الرزق من هذا العمل حلالًا.
لاقى نشاط أبو سعد صدىً عميقًا. قالت لصحيفة الجارديان: “رزقك من الله. يجب أن يكون طاهرًا، ولا يجوز لك المساهمة في الاضطهاد”. وقد حفزت أفعالها – إلى جانب أفعال زميلتها الناشطة فانيا أغراوال – على مراجعة الذات والتنظيم داخل القوى العاملة.
تشير جماعات يقودها العمال، مثل “لا للأزرق للفصل العنصري” (NoAA)، إلى تزايد أعداد الموظفين المسلمين الذين يفكرون في الاستقالة أو الاحتجاج النشط.
تتصاعد التوترات الأخلاقية مع استمرار الحرب في غزة
بالنسبة للكثيرين، أدى العنف المستمر في غزة وعقود قطاع التكنولوجيا المستمرة مع إسرائيل إلى تفاقم السؤال: هل يجوز العمل لدى شركة قد تُستخدم تقنياتها في الحرب؟ في حين ترك البعض وظائفهم، يشعر آخرون أنهم قادرون على النضال من أجل التغيير من الداخل. ولا يزال آخرون عالقين بين خطر البطالة وثقل الشعور بالذنب الروحي.
لجأ بعض الموظفين إلى علماء دين بارزين طلبًا للتوجيه. الإمام عمر سليمان، رئيس معهد يقين، يُقدّم استشارات فعّالة لموظفي مايكروسوفت، ويُقرّ بتعقيد المسألة: “مجالات العمل أكثر تعقيدًا من غيرها… فالأمر ليس دائمًا بهذه البساطة، كما هو الحال مع العمل في متجر خمور”. وهو يعمل على تطوير إطار ديني شامل لمساعدة العمال المسلمين على تجاوز هذه المعضلات.
دور شركات التكنولوجيا الكبرى في الحرب في غزة
كشفت تقارير وتسريبات تحقيقية حديثة عن مدى تورط شركات التكنولوجيا مع الجيش الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، وُجد أن مايكروسوفت لها وجود “في جميع البنى التحتية العسكرية الرئيسية” في إسرائيل. ورغم النفي العلني من قيادة مايكروسوفت، إلا أن التحقيقات الداخلية لم تُطمئن العديد من الموظفين.
كما تتعرض شركات عملاقة أخرى، مثل جوجل وأمازون، لانتقادات شديدة لدورها في “مشروع نيمبوس”، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار يُزوّد إسرائيل بخدمات سحابية متقدمة، وذكاء اصطناعي، وتعلم آلي.
لقد أجّجت هذه الاكتشافات استقالاتٍ وانسحاباتٍ ومقاطعاتٍ، بما في ذلك من قِبَل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي أضافت مايكروسوفت مؤخرًا إلى قائمتها.
الإيمان مقابل سبل العيش: سؤالٌ عالق
يستمر الجدل داخل الشركات. تحثّ عائلات بعض العمال على البقاء، مُجادلةً بأنّ وظائفهم نعمةٌ وأنّ وجودهم قد يُخفّف من الآثار الضارة. يعتقد آخرون، مثل أبو سعد، أنّ النزاهة الدينية تقتضي التحرّك، حتى على حساب مصالحهم الشخصية.
مع انتشار احتجاج أبو سعد ورسائل البريد الإلكتروني اللاحقة، شعر بعض الزملاء بأنّهم مُضطرّون للاستقالة، بينما تُرك آخرون يتصارعون مع ما يُمليه عليهم الإسلام حقًّا.
حثّ ناشطون، مثل حسن إبراهيم، الموظف السابق في جوجل، المسلمين على التحرّك ضدّ تواطؤ الشركات أو الاستقالة، مستشهدين بالحديث النبوي: “من رأى منكم منكرًا فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.
الشركات ترد – لكن الشكوك لا تزال قائمة
تؤكد مايكروسوفت وشركات أخرى أن تقنياتها لا تُستخدم لاستهداف المدنيين في غزة أو إيذائهم. ومع ذلك، أفاد العاملون بوجود بيئة خانقة بشكل متزايد، حيث تُحجب رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على كلمات مثل “إبادة جماعية” أو “غزة” أو “فلسطين” من الاتصالات الداخلية.
يصرّ المنظمون على أن الصمت ليس خيارًا، ويواصلون دعوة زملائهم إما للمقاومة من الداخل أو المغادرة مع الحفاظ على مبادئهم.
اقرأ أيضًا: هل يستطيع تيم كوك منع شركة آبل من مواجهة مصير نوكيا؟
البحث عن التوجيه الديني
لا يزال العديد من الموظفين في حالة من الغموض، يستشيرون الأئمة وينتظرون الإطار القادم لمعهد يقين. ويشدد الإمام سليمان على ضرورة التقييم الفردي: “من الصعب جدًا مقارنة شركة تُنتج أسلحة دمار شامل فقط، وشركة تكنولوجيا لديها مجموعة واسعة من الأعمال، لكنها تُصنّع أيضًا لأغراض الإبادة الجماعية… يصعب عليّ تحديد متى يختفي هذا الخط الفاصل”.
مع تنامي دور التكنولوجيا في صراع غزة، من المرجح أن يتعمق الحساب الروحي والأخلاقي الذي يواجهه عمال التكنولوجيا المسلمون، مما يُجبر الأفراد والشركات على مواجهة حقائق مُزعجة حول الربح والتواطؤ والإيمان.