بعد زيارة إسرائيل.. إسقاط علم سوريا ورفع راية الدروز فوق السويداء- ما دلالة ذلك؟

يبدو أن العلاقة بين حكومة دمشق وطائفة الدروز في سوريا تتجه نحو التعقيد والخلافات خاصة بعد الزيارة الأخيرة لرجال الدين الدروز إلي إسرائيل.

وأظهر مقطع فيديو لحظة إنزلال العلم السوري الجديد من على مبنى محافظة السويداء لرفع علم الطائفة الدرزية، في مؤشر على عدم رضا المحافظة عن حكومة دمشق.

ويظهر المقطع شبانا يصعدون لسطح المبنى ويرمون العلم السوري الذي اعتمدته السلطات الجديدة بعد إسقاط نظام بشار الأسد قبل أن يتم تنصيب علم الطائفة وسط صراخ وصوت إطلاق نار.

ليس الأول من نوعه

والحادث ليس الأول من نوعه، إذ أقدم شبان قبل أسبوع في السويداء على إنزال العلم السوري، الذي تعتمده السلطات الانتقالية، من على مبنى المحافظة في المدينة، بعد مظاهرة هتفوا خلالها لشيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، وزعيم الطائفة في إسرائيل، الشيخ موفق طريف.

انقلاب درزي على دمشق

شهدت الأيام الأخيرة في الساحة السورية تحولات مفاجئة وصادمة، إذ سجلت محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية ما وصفته مصادر محلية بانقلاب داخلي يقود إلى إعادة رسم ملامح السلطة الوطنية في البلاد.

ففي خطوة غير مسبوقة، قام وفد درزي سوري يضم نحو  مائة وخمسين من رجال الدين والشيوخ من محافظة القنيطرة بزيارة إلى الأراضي الإسرائيلية، حيث تم نقل الوفد على ثلاث حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية، لتصل إلى بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل ثم تتجه شمالاً لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا.

جدل زيارة الدروز لإسرائيل

وقد وصفت بعض القيادات الدرزية هذه الزيارة بأنها “دينية بحتة” جاءت استجابةً لدعوة من مرجعيات داخل الطائفة، إلا أنها لم تمر دون جدل واسع داخل المجتمع السوري.

ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه الزيارة تُظهر انقساماً واضحاً داخل صفوف الدروز بين من يميلون للتعاون مع الحكومة المركزية في دمشق وبين من ينطلقون في مسارات انشقاقية تهدف إلى تحقيق مصالح خاصة، يعتقد آخرون أنها مجرد زيارة تقليدية لاسترجاع جذور دينية وتراثية بعيداً عن أي توجه سياسي.

رفض الإعلان الدستوري

في ظل هذه التحركات، خرج زعيم الطائفة الدرزية المعروف، الشيخ حكمت الهَجري، ببيان حاد يتضمن رفضه الكامل للإعلان الدستوري الجديد الذي اعتمدته السلطة الانتقالية في دمشق، واصفاً إياه بـ”غير منطقي” و”محاولة لإعادة إنتاج النظام المركزي القديم”.

وأكد الهَجري أن الثوابت الوطنية التي تضمن وحدة الأرض والشعب السوري هي الأساس، وأنه لا مجال لتسليم مصالح الطائفة لأي جهة سواء كانت داخلية أو خارجية.

كما وصف الحكومة الحالية بـ”طرف متطرف” لا يراعي التنوع المجتمعي ولا يضمن العدالة لجميع مكونات الشعب السوري.

الانقسامات الداخلية في السويداء

وتأتي تصريحات الهَجري في وقت تتصاعد فيه الدعوات داخل محافظة السويداء لمطالبة بإقامة نظام حكم لامركزي يضمن مشاركة حقيقية لجميع الفئات، ويضع حدًا للتدخلات الخارجية التي تسعى لاستغلال الانقسامات الطائفية.

فقد أطلقت تجمعات احتجاجية هادئة رفضاً لما يُنظر إليه من استغلال سياسي للدين، ودعت إلى الحفاظ على وحدة سوريا الوطنية.

وقد عبرت بعض القيادات المحلية عن قلقها من أن هذه التحركات قد تؤدي إلى مزيد من التفرقة في صفوف السوريين، خاصة في ظل إعلان دستوري يمنح صلاحيات واسعة للرئيس خلال فترة انتقالية تصل إلى خمس سنوات.

خلافات داخل الطائفة الدرزية

من جهة أخرى، نجد أن بعض قيادات الدروز مثل الشيخ يوسف جربوع يختلفون في الرأي، حيث أكدوا أن الزيارة إلى إسرائيل جاءت على خلفية دعوات دينية بحتة لا تحمل أي أبعاد سياسية، داعين إلى عدم الاستغلال السياسي لهذه الزيارة.

ورغم ذلك، فإن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي تعهدت بحماية الدروز جاءت لتأمين مصالح الاحتلال، مما أثار استياء الكثيرين الذين يرون أن حماية الدروز يجب أن تأتي من الداخل الوطني وليس من جهة خارجية تسعى لتحقيق مكاسب سياسية.

التوجه الوطني والدعوات إلى الوحدة

يُعتبر الرفض الحالي للإعلان الدستوري ومحاولة فتح قنوات للتقارب مع إسرائيل من علامات الانقسام الحاد داخل الطائفة الدرزية، التي لطالما كانت جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري.

وتؤكد الأصوات الوطنية أن مطالب الدروز ليست مطالب طائفية بحتة، بل هي مطالب وطنية تتعلق بالحريات والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين السوريين.

كما يدعو كثير من الناشطين إلى إعادة صياغة الدستور بطريقة تضمن التوزيع العادل للسلطات وتشمل جميع مكونات الشعب السوري دون استثناء.

مستقبل العلاقة بين الدروز ودمشق

في ضوء هذه التحولات، يبقى مستقبل العلاقة بين الدروز وحكومة دمشق على المحك، وسط توقعات بأن يُعاد رسم خريطة النفوذ السياسي في سوريا.

إذ يبدو أن الانقسامات الداخلية تدفع بعض التيارات الدرزية إلى اتخاذ مواقف انشقاقية قد تؤدي إلى صراع داخلي أشد إذا لم تتجه جميع الأطراف نحو الحوار والتوافق الوطني الشامل.

وفي الوقت نفسه، يشدد الكثير من الدروز على أهمية الوحدة الوطنية واستمرار النضال من أجل إقامة دولة عادلة وديمقراطية تعكس التنوع الثقافي والديني لسوريا.

اقرأ أيضا: بعد الانتقادات الكردية.. دروز سوريا يرفضون الإعلان الدستوري لهذه الأسباب

زر الذهاب إلى الأعلى