بعد سقوط الأسد.. اتساع وجود روسيا العسكري في أفريقيا خاصة ليبيا والسودان

القاهرة (خاص عن مصر) مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، غيرت موسكو استراتيجيتها العسكرية بسرعة، واتسع وجود روسيا في أفريقيا.

عززت موسكو الاتفاقيات الخاصة بقاعدة بحرية على البحر الأحمر بالقرب من بورتسودان في حين عززت في الوقت نفسه البنية التحتية لقاعدتها الجوية في ليبيا. وتعكس هذه التحركات جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحفاظ على موطئ قدم في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية مع تجنب التدقيق الدولي.

قاعدة بحرية على البحر الأحمر

أبرمت الحكومة العسكرية السودانية مؤخرًا اتفاقية تسمح لروسيا بإنشاء أول قاعدة بحرية لها في أفريقيا في بورتسودان. وأكد وزير الخارجية السوداني علي يوسف أحمد الشريف الاتفاق في أعقاب اجتماعات رفيعة المستوى في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.

من شأن المنشأة البحرية أن تضع روسيا إلى جانب الولايات المتحدة والصين، وكلاهما يحتفظ بالفعل بقواعد في جيبوتي القريبة، مما يزيد من تكثيف المنافسة بين القوى العظمى في المنطقة.

إن الوجود المتزايد لموسكو في السودان هو تتويج لسنوات من المفاوضات. بدأت المحادثات بشأن القاعدة البحرية لأول مرة في عام 2017 في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لكنها خرجت عن مسارها بسبب عدم الاستقرار السياسي بعد الإطاحة به في عام 2019 واندلاع حرب أهلية بين الفصائل المتنافسة في السودان في أبريل 2023.

لعبت روسيا على كلا الجانبين في الصراع، حيث دعمت في البداية قوات الدعم السريع شبه العسكرية قبل تحويل دعمها للجيش الوطني السوداني في مقابل توسيع الوصول العسكري.

اقرأ أيضًا: 20 مليون مصاص دماء يستفيد.. ماسك يكشف أكبر عملية احتيال في تاريخ الضمان الاجتماعي

توسيع القواعد العسكرية في ليبيا

خارج السودان، تشير صور الأقمار الصناعية وتقارير الاستخبارات إلى أن روسيا تعمل على توسيع بنيتها التحتية العسكرية في ليبيا. شهدت قاعدة معطن السارة الجوية في جنوب شرق ليبيا، بالقرب من حدود تشاد والسودان، ترقيات كبيرة، بما في ذلك إعادة بناء المدرج ومرافق التخزين الجديدة.

هذه القاعدة، التي استخدمها ذات يوم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، تخضع الآن لسيطرة جيش خليفة حفتر الوطني الليبي، الذي يتلقى الدعم المباشر من موسكو.

وأفادت منصة التحقيق في الشرق الأوسط إيكاد أن “هذه التطورات تتفق مع استراتيجية روسيا لإنشاء قواعد عسكرية متعددة في ليبيا”. “تمكن قاعدة معطن السارة موسكو من التحكم في طرق الإمداد وتسهيل حركة المعدات والأفراد إلى منطقة الساحل الأفريقي مع تجنب التدقيق الدولي للموانئ والمطارات الرئيسية”.

تم تعقب الطائرات العسكرية والأفراد الروس وهم يقومون برحلات متكررة من معقل روسيا السابق في سوريا إلى شرق ليبيا، مما عزز التكهنات بأن موسكو تحول عملياتها الإقليمية.

دور موسكو في الصراع الأهلي في ليبيا

لا تزال ليبيا منقسمة بشدة بين حكومة مدعومة من تركيا في طرابلس وإدارة منافسة في الشرق بقيادة حفتر. لقد قدمت روسيا، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة، الدعم لقوات حفتر منذ فترة طويلة.

تمتلك شركة الطاقة الروسية العملاقة روسنفت التي تسيطر عليها الدولة استثمارات نفطية كبيرة في ليبيا، مما يضمن الوصول إلى الموارد المربحة مع تعزيز النفوذ الجيوسياسي لموسكو.

وبعيدًا عن معطن السارة، كانت روسيا تنقل المعدات العسكرية إلى قواعد جوية ليبية أخرى، بما في ذلك الخادم والجفرة، وكلاهما على استعداد للعمل كمركز للعمليات الروسية في جميع أنحاء أفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن القوات البحرية الروسية تبحث بنشاط عن ميناء متوسطي تحت سيطرة حفتر، ربما في طبرق، كبديل لقاعدة طرطوس البحرية السورية، التي ورد أن إيجارها قد ألغي في يناير.

من سوريا إلى أفريقيا: تطور مجموعة فاجنر

يتزامن إعادة تموضع موسكو في ليبيا مع تحول في الأنماط التشغيلية لمجموعة فاجنر، التي أعيدت تسميتها الآن باسم “فيلق أفريقيا”. في السابق، كانت شركة فاجنر تعمل انطلاقا من قاعدة حميميم الجوية في سوريا، وقد نقلت مراكزها اللوجستية إلى ليبيا لدعم العمليات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى، ووجودها -روسيا- في أفريقيا بشكل أكبر.

أكد تحقيق أجرته شبكة سي إن إن صحة هذه التحركات، مما يؤكد على التحول الاستراتيجي الأوسع لروسيا من الشرق الأوسط إلى أفريقيا.

وقد رددت الاستخبارات العسكرية البريطانية هذا التقييم، مشيرة إلى أن أولويات روسيا القصوى تشمل دعم عملياتها العسكرية والأمنية الخاصة في أفريقيا مع تخفيف الضرر الذي قد يلحق بسمعتها نتيجة لسقوط الأسد.

التداعيات الجيوسياسية لوجود روسيا في أفريقيا

إن إنشاء قواعد عسكرية روسية دائمة في ليبيا لن يعزز نفوذ موسكو في المنطقة فحسب، بل سيمنح حفتر أيضا نفوذا أكبر في مفاوضات السلام التي تتوسط فيها الأمم المتحدة. ومع السيطرة على الأصول العسكرية الاستراتيجية، قد يطيل حفتر العملية السياسية الهشة بالفعل في ليبيا، مما يؤدي إلى تأخير الانتخابات الوطنية.

وفي الوقت نفسه، يؤكد بناء قاعدة بحرية في السودان طموحات روسيا طويلة الأجل في أفريقيا، حيث تضع نفسها كلاعب مهيمن في البحر الأحمر وتضمن الدعم اللوجستي للعمليات في جميع أنحاء القارة. ومع ترسيخ الولايات المتحدة والصين بالفعل في المشهد العسكري في أفريقيا، تضيف أحدث تحركات روسيا طبقة أخرى من التعقيد إلى المنافسة الجيوسياسية المتنامية على النفوذ.

مع إعادة بوتين توجيه الأصول العسكرية وتعميق وجود روسيا في أفريقيا، يظل السؤال: كيف ستستجيب الدول الغربية للبصمة الروسية المتوسعة في واحدة من أكثر مناطق العالم حيوية من الناحية الاستراتيجية؟

زر الذهاب إلى الأعلى