بوري-إيه الروسية VS أوهايو الأمريكية.. مقارنة بين أخطر غواصتين نوويتين في العالم

في أعماق البحار والمحيطات، تتجلى أدوات الردع النووي التي يملكها أقوى جيوش العالم .. غواصات الصواريخ الباليستية النووية.

ومن بين هذه الأدوات، تقف غواصة “بوري-إيه” الروسية وجهاً لوجه أمام “أوهايو” الأمريكية في سباق تفوّق استراتيجي يخوضه أقوى قوتين عسكريتين في العالم منذ الحرب الباردة وحتى اليوم، فمن له الغلبة؟

الغواصة الروسية أمام نظيرتها الأمريكية

“بوري-إيه” هي الجيل الروسي الجديد من غواصات الردع النووي، وأحدث ما أنتجته موسكو من فئة “بوري”، بقدرات محسّنة في الشبحية والتخفي وأنظمة القيادة والسيطرة.

تدخل هذه الغواصة ضمن مشروع إعادة إحياء الردع البحري الروسي، حيث تحمل 16 صاروخاً باليستياً من طراز “بولافا”، كل منها قادر على حمل عدة رؤوس نووية موجهة نحو أهداف متعددة.

وتتميز بقدرتها على البقاء لفترات طويلة في المياه القطبية تحت الجليد، ما يعزز فرص نجاتها من الضربة النووية الأولى ويجعلها أساساً حاسماً في تنفيذ الضربة الثانية.

أوهايو الأمريكية .. أقوى الغواصات الاستراتيجية تعاني التقادم

في المقابل، “أوهايو” تمثل العمود الفقري للردع النووي الأمريكي منذ الثمانينيات، وهي لا تزال حتى اليوم إحدى أقوى الغواصات الاستراتيجية في العالم.

كل غواصة من هذه الفئة قادرة على حمل حتى 24 صاروخًا من طراز “ترايدنت 2” بعيد المدى، بقدرات إصابة تصل إلى عمق قارات بأكملها.

الغواصة النووية الأمريكية “أوهايو”

وتتفوق “أوهايو” على مستوى الحمولة والقدرة التدميرية، حيث يمكن لكل صاروخ أن يحمل حتى 12 رأسًا نوويًا مستقل التوجيه.

التكنولوجيا مقابل الكمّ.. أيهما أكثر فتكًا؟

التفوق العددي الواضح لصالح “أوهايو” من حيث عدد الصواريخ والرؤوس لا يُغني بالضرورة عن أهمية التطوير النوعي الذي تقدّمه “بوري-إيه”.

فالنسخة الروسية الأحدث تعتمد على منظومات حديثة لتقليل البصمة الصوتية وتفادي الاكتشاف من قبل غواصات العدو أو أنظمة الرصد الغربية، وهي مصممة لتعمل بكفاءة عالية في البيئات الصعبة مثل القطب الشمالي، حيث يصعب على أجهزة الاستشعار الوصول إليها.

بينما “أوهايو” تعتمد على الكتلة التدميرية، وتُصمم لعقيدة الضربة الشاملة، فإن “بوري-إيه” تنسجم مع العقيدة الروسية التي تعطي الأولوية للمرونة والتنوع في أدوات الردع النووي، خصوصاً في ظل منظومة تشمل الصواريخ البرية والطائرات الاستراتيجية والغواصات.

المدى وزمن البقاء تحت الماء: سر الردع الصامت

تُصنَّف غواصتا “بوري-إيه” الروسية و”أوهايو” الأمريكية ضمن الغواصات النووية الاستراتيجية القادرة على البقاء في أعماق البحار لأسابيع بل وأشهر دون الحاجة للطفو أو التزود بالوقود.

فبفضل مفاعلاتهما النووية، تستطيع كل منهما الإبحار لمسافات غير محدودة نظريًا من حيث الطاقة، ويُقاس المدى الفعلي بكمية المؤن والظروف البشرية، وليس بالوقود.

غواصة “بوري-إيه” يمكنها البقاء تحت سطح الماء لفترة تمتد حتى 90 يومًا متواصلة دون أن تطفو، ويُقدر مدى صواريخها “بولافا” (RSM-56) بما يصل إلى 9,000 كيلومتر، ما يتيح لها تنفيذ ضربات نووية عابرة للقارات من مواقع نائية في المحيطات أو حتى من تحت الجليد في القطب الشمالي.

أما غواصة “أوهايو” الأمريكية، فتستطيع البقاء مغمورة لفترة تتجاوز 100 يوم اعتمادًا على الظروف التشغيلية، وتُسلَّح بصواريخ “ترايدنت 2” بعيدة المدى القادرة على إصابة أهداف تقع على مسافة تزيد عن 12,000 كيلومتر. وبذلك، تستطيع الغواصة تنفيذ ضربة نووية ضد أي خصم في العالم دون أن تقترب من سواحله.

هذا الزمن الطويل تحت الماء، إلى جانب المدى البعيد لصواريخ الغواصتين، يجعل منهما أدوات مثالية لتنفيذ الضربة النووية الثانية، حيث لا يمكن تعقب مكانهما بسهولة أو القضاء عليهما قبل تنفيذ الهجوم.

تكلفة الغواصة الروسية بوري-إيه (Borei-A)

تتراوح تكلفة بناء غواصة واحدة من فئة “بوري-إيه” ما بين 890 مليون إلى 1.1 مليار دولار أمريكي، حسب تقديرات وتقارير وزارة الدفاع الروسية ووكالة تاس الرسمية. هذا يشمل البنية التحتية الأساسية، منظومات التسلح، ونظم القيادة المتقدمة.

الغواصة النووية الروسية فئة “بوري-إيه”

يُذكر أن تكلفة المشروع الكامل لبناء 14 غواصة من هذه الفئة يُقدّر بما بين 14 و15 مليار دولار، ما يعكس تركيز موسكو على تطوير قوة ردع بحرية مرنة ولكن بتكلفة مدروسة.

تكلفة الغواصة الأمريكية أوهايو (Ohio-class)

عند بنائها في الثمانينيات، بلغت تكلفة غواصة “أوهايو” الواحدة قرابة 2 مليار دولار، لكن مع احتساب التضخم وتحديث الأنظمة على مدى العقود، فإن التكلفة التقديرية الحالية لتشغيل وصيانة الغواصة حتى اليوم تُقدر بأكثر من 4.5 إلى 5 مليار دولار للغواصة الواحدة.

وتشير تقارير مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي (CBO) إلى أن الحفاظ على هذه الفئة حتى استبدالها بـ”كولومبيا” يتطلب ميزانيات إجمالية تتجاوز 90 مليار دولار.

هل تم تصدير أي من الغواصتين؟

لم يتم تصدير أي غواصة من الفئتين إلى أي دولة أخرى، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الغواصات النووية الحاملة للصواريخ الباليستية تُصنف على أنها “منصات استراتيجية للردع النووي الوطني”، أي أنها من صميم السيادة العسكرية، وتخضع لقيود صارمة بموجب القانون الدولي.

كما أن هناك معاهدة منع الانتشار النووي (NPT) والاتفاقيات الثنائية مثل “ستارت” بين روسيا وأمريكا تمنع تصدير هذه الأنظمة. لذلك، لا روسيا صدّرت “بوري-إيه”، ولا أمريكا سمحت بخروج “أوهايو” لأي دولة، حتى أقرب حلفائها مثل بريطانيا أو فرنسا.

الاستثناء الوحيد دوليًا كان في سياق التدريب وليس التصدير، عندما قامت روسيا سابقًا بتأجير غواصة نووية للهند من طراز “آكولا”، وهي غواصة هجومية، وليست استراتيجية تحمل صواريخ نووية بعيدة المدى.

أما فيما يخص الولايات المتحدة، فقد وافقت عام 2021 في إطار اتفاق AUKUS على تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، لكن دون أي صواريخ نووية على متنها، ما يعني أن التصدير لا يشمل أي سلاح ردع نووي حقيقي.

الروسية أرخص ولكن ممنوع التصدير

رغم أن غواصة “بوري-إيه” الروسية أرخص بكثير من نظيرتها الأمريكية “أوهايو”، إلا أن كلاهما لم يُصدر لأي دولة أخرى، بسبب مكانتهما الاستراتيجية في عقيدة الردع النووي.

“بوري-إيه” تُراهن على التخفي والتكنولوجيا الحديثة، بينما تعتمد “أوهايو” على القوة التدميرية والكم الهائل من الرؤوس النووية. ورغم الفروقات في الكلفة، إلا أن كلا النظامين يبقى حكرًا مطلقًا على الدولتين المصنّعتين، ولا مجال لتصديره لأي طرف ثالث تحت أي ظرف.

العقيدة البحرية والاستراتيجية: نهجان مختلفان

الولايات المتحدة تتبع عقيدة ترتكز على الردع الكاسح، وتعتبر غواصات “أوهايو” جزءًا من مثلث الردع النووي إلى جانب الصواريخ الأرضية والقاذفات. وتتمركز هذه الغواصات في مواقع تتيح لها الاستجابة السريعة لأي تهديد عالمي.

أما روسيا، فتتبنى عقيدة “الردع الطبقي” وتركز على القدرة على النجاة والرد بعد الضربة الأولى، وهو ما تبرزه بوضوح “بوري-إيه” التي صممت لتبقى في الأعماق وتنفذ ضربة انتقامية لا يمكن إيقافها.

ويتعزز هذا النهج مع خطط موسكو لنشر غواصات تحمل طوربيدات “بوسيدون” النووية، وهي أسلحة نووية ذاتية الدفع لا يمكن اعتراضها، مصممة لضرب السواحل المعادية من الأعماق.

مستقبل الردع البحري: سباق لا ينتهي

تخطط الولايات المتحدة لاستبدال “أوهايو” بفئة جديدة تُعرف باسم “كولومبيا”، ابتداءً من 2027، بتقنيات أكثر تطورًا من حيث التخفي وأنظمة الإطلاق.

في المقابل، تعمل روسيا على استكمال 14 غواصة من فئة “بوري-إيه”، وتسعى لتعزيز الأسطول الشمالي بأسلحة بحرية نووية نوعية.

ورغم الفارق في الميزانية والتكنولوجيا الصناعية، فإن روسيا باتت تقترب تدريجياً من إحداث توازن ردع حقيقي في المجال البحري، من خلال جودة الشبحية والتكامل مع منظومة الردع النووي الواسعة التي لا تعتمد فقط على الكمّ، بل على توزيع القدرة النووية بذكاء وتنوع.

روسيا تهدد التفوق الأمريكي

“أوهايو” لا تزال تحتفظ بتفوق عدد الصواريخ والرؤوس النووية ومدى الضربة، لكنها تعاني من عامل التقادم، في حين تقدم “بوري-إيه” نموذجًا حديثًا يراهن على التخفي والنجاة والمرونة في بيئة معقدة.

ومع استمرار التطوير الروسي ودخول أسلحة مثل “بوسيدون”، تقترب موسكو من خلق توازن نوعي حقيقي في حرب الأعماق، يهدد التفوق الأمريكي التقليدي في هذا المجال.

اقرأ أيضاً.. بعد حصول الجزائر على S-400 تريومف.. اكتشف مميزات وعيوب المنظومة الدفاعية المتطورة

زر الذهاب إلى الأعلى