تايوان.. الجزيرة الصغيرة التي تهدد بإشعال حرب كبرى

في قلب بحر الصين الجنوبي، تقف جزيرة لا يتجاوز عرضها 140 كيلومترًا، لكنها تثير أعنف موجة توتر جيوسياسي في العصر الحديث. تايوان، الاسم الصغير في الجغرافيا، أصبح اليوم يتردد في مراكز القرار الكبرى بين واشنطن وبكين، بعدما تحولت إلى رمز لصراع أشمل على النفوذ والسيادة والتفوق التكنولوجي.

فالسؤال الذي ظل يُهمس به داخل الكواليس الدبلوماسية، بات يُطرح علنًا في عناوين الصحف وتقارير مراكز الأبحاث:
هل اقترب العالم فعلاً من حرب كبرى… تقودها جزيرة صغيرة؟

انفوجراف خاص

جذور الأزمة.. حرب لم تُغلق منذ 1949

لفهم تعقيدات الأزمة التايوانية، لا بد من العودة إلى عام 1949، حين انتصر الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونج في الحرب الأهلية الصينية، وفرّ القوميون بقيادة تشيانج كاي شيك إلى جزيرة تايوان، حيث أسسوا حكومة موازية.

ومنذ ذلك الحين، لم تُحلّ هذه “القضية الصينية الداخلية” كما تصفها بكين، بل تحولت إلى ملف إقليمي ودولي معقد، تتداخل فيه عوامل التاريخ والسياسة والأمن والاقتصاد.

فبينما تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، تصر تايبيه على واقعها كدولة ذات سيادة بحكم الأمر الواقع. أما المجتمع الدولي، فتعامل معها بحذر لعقود، حتى جاءت الولايات المتحدة لتحوّل الجزيرة إلى أداة محورية في صراع كسر العظم مع بكين.

انفوجراف خاص

شراكة رمادية.. تايوان والولايات المتحدة

تنتهج الولايات المتحدة سياسة مزدوجة ومقصودة تجاه تايوان. فعلى الورق، تعترف بوجود “صين واحدة” وتقر بسيادة بكين، لكنها في الوقت نفسه تمدّ تايبيه بدعم عسكري واقتصادي متزايد.

واشنطن تصدّر لتايوان أسلحة متقدمة، وتمنحها تكنولوجيا يصعب على بعض الحلفاء الوصول إليها. بل إن تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، وآخرهم الرئيس السابق جو بايدن، أكدت استعداد أمريكا للتدخل العسكري في حال تعرضت الجزيرة لهجوم.

ويرى المحللون أن تايوان لم تعد مجرّد “حليف”، بل أصبحت ورقة استراتيجية بيد واشنطن لإعادة تشكيل موازين القوى في آسيا، ومواجهة التمدد الصيني المتسارع.

تايوان الصين الولايات المتحدة
انفوجراف خاص

قلب التكنولوجيا العالمي

لا تكمن أهمية تايوان في موقعها الجيوسياسي فقط، بل في دورها الحاسم داخل الاقتصاد العالمي. إذ تنتج الجزيرة أكثر من 60% من الشرائح الإلكترونية الدقيقة، وتسيطر على نحو 90% من أشباه الموصلات المتقدمة.

هذه الشرائح تدخل في كل شيء، من الهواتف والسيارات إلى أنظمة الأسلحة والطائرات المقاتلة، ما يجعل السيطرة على تايوان بمثابة تحكّم في شريان التكنولوجيا العالمي.

ويختصر الخبير الاقتصادي مارك ليونج ذلك بقوله:
“من يملك تايوان، يملك المستقبل التكنولوجي… العالم كله يعتمد على هذه الجزيرة.”

تايوان الصين الولايات المتحدة
انفوجراف خاص

الصين لا تمزح.. الكرامة الوطنية على المحك

تتعامل بكين مع ملف تايوان بوصفه قضية سيادة وكرامة وطنية لا تقبل المساومة. وقد كرر الرئيس شي جين بينج تأكيده أن “إعادة توحيد تايوان مع الوطن الأم” مسألة حتمية، ستتم سلمًا أو بالقوة.

ومع تصاعد النفوذ العسكري والاقتصادي لبكين، بات من الواضح أن الصين لا تمانع اللجوء إلى القوة لاستعادة الجزيرة، رغم إدراكها للكلفة الباهظة لهذا الخيار.

ويرى محللون صينيون أن أي تراجع في ملف تايوان قد يُضعف شرعية الحزب الشيوعي، ويشجع على تحديات انفصالية داخلية أخرى.

تايوان الصين الولايات المتحدة
انفوجراف خاص

الغرب يستفز والصين ترد.. والهاوية تقترب

في السنوات الأخيرة، تصاعد التوتر حول تايوان بشكل غير مسبوق، تمثل في زيارات رفيعة المستوى من مسؤولين أمريكيين، وصفقات سلاح ضخمة، ومناورات عسكرية مشتركة مع حلفاء واشنطن، كلها اعتبرتها بكين استفزازات مباشرة.

وردّت الصين بمناورات عسكرية ضخمة تحاكي السيطرة على الجزيرة، وبإرسال طائرات حربية إلى مناطق قريبة من مجال تايوان الجوي بشكل شبه يومي.

وفي حين تدعو بعض الأطراف للتهدئة، يرى خبراء مثل جوزيف ناي أن “كل إشارة دبلوماسية باتت تُفسر كتهديد.” ويضيف: “السؤال لم يعد: هل ستندلع الحرب؟ بل: متى؟”

تايوان الصين الولايات المتحدة
انفوجراف خاص

جزيرة قد تعيد تشكيل النظام العالمي

ليست أزمة تايوان مجرد خلاف إقليمي، بل هي اختبار حقيقي لمستقبل النظام الدولي. فالولايات المتحدة تسعى للحفاظ على هيمنتها، بينما تحاول الصين إعادة كتابة قواعد النظام بما يتماشى مع صعودها.

وفي قلب هذا الصراع، تقف تايوان كعامل حاسم: فإن سقطت، قد تُعيد الصين رسم شرق آسيا، وإن بقيت مستقلة، ستستمر الهيمنة الغربية لبعض الوقت.

تايوان الصين الولايات المتحدة
انفوجراف خاص

تايوان.. صغيرة جغرافيًا، عملاقة في التأثير

ومهما اختلفت التقديرات، فإن الحقيقة الثابتة أن تايوان أصبحت حجر الزاوية في واحدة من أخطر أزمات العصر الحديث. فهي صغيرة في المساحة، نعم، لكنها عملاقة في التأثير.

انفوجراف خاص

اقرأ أيضا.. رادار قديم ومنظومة إلكترونية يسهل اختراقها.. لماذا رفضت مصر صفقة مقاتلات Su-35 الروسية؟

زر الذهاب إلى الأعلى