ترامب يفرض رسوما جمركية انتقامية بين 20 و46%.. تحول في مشهد التجارة العالمية

في خطوة جريئة، في 2 أبريل 2025، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن سلسلة من “الرسوم الجمركية المتبادلة” على مجموعة واسعة من الدول، مُعلنًا بذلك فصلًا جديدًا في السياسة التجارية الأمريكية. ستفرض هذه الرسوم رسومًا على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة بناءً على ما تفرضه الدول الأخرى عليها.
صُممت هذه السياسة لمعالجة ما يعتبره ترامب ممارسات تجارية غير عادلة من الدول الأخرى، مستهدفةً تحديدًا الرسوم الجمركية المرتفعة وغيرها من الحواجز غير النقدية مثل التلاعب بالعملة وسرقة الملكية الفكرية.
خلال خطاب ألقاه في حديقة الورود، أعلن ترامب أن هذه الرسوم الجمركية ستتراوح بين 10% و46% على بعض الدول، بما في ذلك رسوم جمركية بنسبة 34% على الصين، و26% على الهند، و20% على الاتحاد الأوروبي.
الهدف بسيط: إجبار الدول الأجنبية على خفض رسومها الجمركية أو مواجهة رسوم جمركية أمريكية أعلى، مما سيدفعها بدوره إلى شراء المزيد من السلع الأمريكية والاستثمار في الصناعات الأمريكية.
المبدأ وراء الرسوم الجمركية: “أمريكا أولاً”
تستند سياسة ترامب إلى شعاره الراسخ “أمريكا أولاً”. فهو يعتبر هذه الرسوم الجمركية خطوة ضرورية لحماية الصناعات الأمريكية من استغلال القوى الأجنبية.
أكد ترامب قائلاً: “لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في سياسة الاستسلام الاقتصادي الأحادية الجانب”، مؤكداً اعتقاده بأن هذه الإجراءات ستعيد التوازن الاقتصادي وتعزز القدرة التنافسية للبلاد عالمياً.
يتماشى موقف الرئيس مع أجندته الأوسع لخفض العجز التجاري الأمريكي، الذي يعتبره حالة طوارئ وطنية تهدد أمن الولايات المتحدة.
صرح ترامب قائلاً: “علينا أن نعتني بشعبنا ونضع أمريكا في المقام الأول”، مؤكداً التزامه بإعطاء الأولوية للعمال والصناعات الأمريكية. ويلقى هذا التركيز على الاكتفاء الذاتي الوطني صدىً قوياً لدى قاعدته السياسية، التي لطالما دعت إلى سياسات تحمي التصنيع المحلي وتقلل الاعتماد على الواردات.
الرسوم الجمركية على شركات صناعة السيارات الأجنبية وغيرها
أحد العناصر الرئيسية لسياسة ترامب الجديدة بشأن الرسوم الجمركية هو فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع السيارات المصنعة في الخارج.
تكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة لأنها تؤثر بشكل مباشر على شركات صناعة السيارات الدولية التي تصدر السيارات إلى السوق الأمريكية. ومن المتوقع أن تستفيد صناعة السيارات الأمريكية، التي دعمت سياسات ترامب التجارية، من هذه الرسوم، لأنها سترفع أسعار السيارات الأجنبية، مما قد يعزز الإنتاج المحلي.
مع ذلك، أعرب الاقتصاديون وخبراء الصناعة عن مخاوفهم من أن يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين، وخاصةً الأسر ذات الدخل المنخفض الأكثر تضررًا من زيادات الأسعار الناجمة عن الرسوم الجمركية.
وتستهدف إدارة ترامب أيضًا قطاعات محددة، مثل الصلب والألمنيوم، حيث فُرضت رسوم جمركية مماثلة بالفعل. وتُعد هذه الإجراءات استمرارًا لاستراتيجية ترامب الأوسع لحماية الصناعات الأمريكية ومعالجة ما يسميه الممارسات التجارية “غير العادلة”.
اقرأ أيضًا: القوات الإسرائيلية تعدم 15 مسعفًا.. فظاعة عالمية بتواطؤ غربي
ردود الفعل العالمية وخطر الحروب التجارية
أثار موقف ترامب العدواني بشأن الرسوم الجمركية مخاوف لدى شركاء الولايات المتحدة التجاريين، بما في ذلك أوروبا والصين والمكسيك، الذين أعربوا جميعًا عن استيائهم.
بينما واجهت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة رسومًا جمركية من هذه الدول، فإن الرسوم الجمركية المتبادلة الجديدة قد تُصعّد التوترات وتؤدي إلى حرب تجارية شاملة. وردًا على ذلك، أشارت بعض الدول، مثل المكسيك، إلى أنها قد تفرض رسومًا جمركية انتقامية، مما يزيد من تعقيد العلاقات التجارية العالمية.
تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد حالة من عدم اليقين الاقتصادي الكبير. في ظل معاناة الاقتصاد الأمريكي من التضخم واضطرابات سلاسل التوريد، يحذر العديد من الاقتصاديين من أن هذه الرسوم الجمركية الجديدة قد تُفاقم الوضع برفع أسعار المستهلكين، وربما تُعيق النمو الاقتصادي.
أظهر استطلاع رأي حديث أن أكثر من نصف البالغين الأمريكيين يعتقدون أن الرسوم الجمركية قد تُلحق الضرر بالاقتصاد، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع اليومية.
دعم رسوم ترامب الجمركية بين العمال الأمريكيين
في فعالية “لنجعل أمريكا ثرية مرة أخرى”، حظي ترامب بدعم قوي من النقابات العمالية، وخاصةً من اتحاد عمال السيارات (UAW)، الذين أشادوا بموقف الإدارة من الرسوم الجمركية.
أعرب برايان بانيبيكر، وهو عامل سيارات متقاعد من ديترويت، عن دعمه الثابت لسياسة ترامب، قائلاً: “نحن ندعم سياسة دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية بنسبة 100%”.
يُضيف دعم النقابات العمالية طبقةً من الدعم السياسي لمبادرات ترامب بشأن الرسوم الجمركية، مما قد يعزز شعبيته بين العمال ذوي الياقات الزرقاء.
مع ذلك، لا تُؤيد جميع القطاعات هذه السياسات. فقد أعرب المصدرون الأمريكيون، وخاصةً العاملون في قطاع الزراعة، عن مخاوفهم بشأن تأثير الرسوم الجمركية على قدرتهم على بيع سلعهم في الخارج.
يخشى القطاع الزراعي، الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات، من أن تؤدي هذه الرسوم الجمركية إلى إجراءات انتقامية من شأنها أن تضر بالمزارعين ومربي الماشية الأمريكيين.
الأثر الاقتصادي والتوقعات المستقبلية
لا يزال الأثر الاقتصادي طويل المدى للرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضها ترامب غير مؤكد. فبينما يُجادل البعض بأن هذه الإجراءات قد تُؤدي إلى انتعاش الصناعة الأمريكية وخلق فرص عمل، يُحذر آخرون من أن العواقب قد تكون وخيمة.
فقد تؤدي الرسوم الجمركية المرتفعة إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين، وتباطؤ الإنتاج في بعض القطاعات، وتفاقم التضخم. علاوة على ذلك، فإن احتمال نشوب حرب تجارية عالمية قد يُزعزع استقرار الأسواق الدولية ويُلحق الضرر بالنمو الاقتصادي العالمي.
في الولايات المتحدة، شهدت أسواق الأسهم تقلبات نتيجةً لإعلانات ترامب عن الرسوم الجمركية، حيث شهد مؤشرا داو جونز وستاندرد آند بورز 500 تقلبات. مع دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، سيتعين على الشركات والمستهلكين التكيف مع واقع اقتصادي جديد، يتشكل بفعل تزايد الحواجز التجارية ونهج حمائي متزايد تجاه التجارة العالمية.