تعاون مصر وتركيا يحدث تغيرات عميقة في العلاقات مع الدول الأفريقية
القاهرة (خاص عن مصر)- وفقا لتحليل نشره موقع اتلانتيك كونسيل، للكاتبان، كريم مزران ونيكولا بيدي، فإن التحسن الدبلوماسي بين مصر وتركيا، والذي اتسم باجتماعات مهمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يشير إلى تحول عميق في المشهد السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يعمل هذا التعاون المتجدد على إعادة تشكيل ديناميكيات العديد من دول شمال إفريقيا، مع التركيز بشكل خاص على ليبيا والصومال، وتعزيز نفوذ مصر وتركيا في المنطقة.
نقطة تحول في العلاقات المصرية التركية
شهدت العلاقات المصرية التركية، المتوترة لأكثر من عقد من الزمان، تحولًا كبيرًا خلال زيارة الرئيس السيسي لأنقرة في 4 سبتمبر 2024. هذه الزيارة، التي أعقبت زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى القاهرة في فبراير 2024، شكلت خطوة حاسمة نحو التقارب.
خلال لقائهما، اتفق السيسي وأردوغان على إنشاء مجلس تعاون استراتيجي ثنائي، يهدف إلى تعزيز التنسيق رفيع المستوى بشأن الأولويات الإقليمية. وتعكس هذه الخطوة المصلحة المشتركة للدولتين في تعزيز علاقاتهما الاقتصادية والجيوسياسية. والأبعاد الاقتصادية للعلاقة جديرة بالملاحظة بشكل خاص، حيث أصبحت مصر الشريك الاقتصادي الأول لتركيا في أفريقيا – وهو عامل حاسم في تعاونهما.
أقرا أيضا.. الكشف عن كأس الآله بس.. المصريون القدماء شربوا مواد مهلوسة خلال طقوسهم
غزة وديناميكيات القوة الإقليمية
في حين أن التعاون الاقتصادي والاستراتيجي مهم، فإن صراع غزة يلعب أيضًا دورًا محوريًا في ذوبان الجليد في العلاقات. تدرك كل من مصر وتركيا أنه من أجل موازنة نفوذ إسرائيل في المنطقة وتعزيز قوتهما التفاوضية، يجب عليهما مواءمة مواقفهما بشأن القضايا الجيوسياسية الرئيسية.
هذا واضح بشكل خاص في تعاونهما المتنامي بشأن ليبيا، وهي دولة كانت منذ فترة طويلة موقعًا للمصالح المتنافسة بين البلدين.
مصر وتركيا: نهج مشترك للاستقرار الليبي
كانت النتيجة الأكثر مباشرة وملموسة للتقارب المصري التركي هي تبريد التنافس بين البلدين بشأن ليبيا. لسنوات، دعمت مصر وتركيا الفصائل المتعارضة في الحرب الأهلية الليبية – دعمت مصر قوات الجنرال خليفة حفتر في الشرق، بينما دعمت تركيا حكومة الوحدة في طرابلس. ومع ذلك، أدى الذوبان الأخير في العلاقات إلى تعاون البلدين في تعزيز الاستقرار والدفع نحو المصالحة بين الفصائل الليبية المتنافسة.
في نوفمبر 2024، زار الملحق العسكري التركي في ليبيا بنغازي، مما يشير إلى الانفصال عن الماضي واهتمام تركيا المتجدد بالتعامل مع قوات حفتر. يأتي هذا في أعقاب زيارة سابقة قام بها نجل حفتر، الجنرال صدام حفتر، إلى إسطنبول، حيث التقى بوزير الدفاع التركي هاكان فيدان.
تشير هذه التطورات إلى تحول في نهج تركيا، مما يشير إلى إمكانية بذل جهود مشتركة لإعادة بناء قطاعي النفط والغاز في ليبيا، وهو ما قد يوفر عوائد اقتصادية كبيرة لكل من مصر وتركيا.
التحركات الاستراتيجية في الصومال: مواجهة نفوذ إثيوبيا
لا يقتصر التعاون المتنامي بين مصر وتركيا على ليبيا؛ بل امتد أيضًا إلى الصومال. في نوفمبر 2024، نشرت مصر، بالتنسيق مع تركيا، وحدة عسكرية في الصومال ونقلت أسلحة كبيرة إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية. وفي حين أن الهدف المعلن هو دعم قتال الصومال ضد جماعة الشباب المسلحة، فإن الدوافع السياسية الأساسية واضحة.
تنظر مصر إلى هذا الدعم كوسيلة لممارسة الضغط على إثيوبيا، التي لديها معها نزاع طويل الأمد بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق. كان بناء السد من قبل إثيوبيا مصدرًا مهمًا للتوتر، حيث تعتمد مصر على النيل لإمداداتها من المياه.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف دعم مصر للصومال إلى مواجهة العلاقات المتنامية لإثيوبيا مع أرض الصومال، وهي منطقة منشقة تتفاوض مع إثيوبيا بشأن البناء المحتمل لميناء على البحر الأحمر. يتم تنسيق هذا التحول الجيوسياسي في منطقة القرن الأفريقي بعناية من قبل كل من مصر وتركيا، حيث توازن أنقرة علاقاتها القوية مع إثيوبيا مع الاستمرار في دعم مصالح مصر في الصومال.
مستقبل التعاون بين مصر وتركيا
يمثل التعاون الجاري بين مصر وتركيا إعادة معايرة استراتيجية في المنطقة، مستقلة عن نفوذ القوى العالمية الكبرى. مع عمل كلا البلدين على تعزيز مصالحهما في ليبيا والصومال ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع، فإنهما يعيدان تشكيل التحالفات والمنافسات.
يسلط تقارب مصالحهما في هذه المناطق الضوء على اتجاه أوسع للتعددية القطبية في السياسة الإقليمية، حيث تعمل القوى الأصغر والمتوسطة الحجم بشكل متزايد خارج نطاق النفوذ الغربي.
إن هذا التعاون، في حين أنه مدفوع بمصالح اقتصادية وجيوسياسية براجماتية، يعكس أيضًا فهمًا أعمق للمشهد السياسي المتطور في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تعمل مصر وتركيا الآن معًا من أجل ترسيخ موقف أقوى في الشؤون الإقليمية، وقد يكون لقدرتهما على التعاون بشكل فعال آثار بعيدة المدى على كل من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفريقيا ككل.