تغيير اسم الخليج الفارسي.. اقتراح ترامب يحقق المستحيل ويوحد الإيرانيين

في خطوةٍ أثارت بالفعل ردود فعلٍ عنيفة، اقترح الرئيس دونالد ترامب تغيير اسم الخليج العربي والمعروف تاريخيا باسم الخليج الفارسي خلال زيارته المُقبلة إلى الشرق الأوسط.
وفقا لتحليل نيويورك تايمز، أثارت فكرة تغيير اسم الخليج العربي، التي أيّدتها بعض الدول العربية لسنوات، استنكارًا حادًا من الإيرانيين، الذين يعتبرون الخليج العربي جزءًا لا يتجزأ من هويتهم الوطنية وتاريخهم.
سلطة تغيير الاسم بصلاحياتٍ محدودة
في حين أن ترامب يستطيع إصدار أوامر تنفيذية لتغيير الأسماء الجغرافية التي تستخدمها الحكومة الأمريكية، مثل تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، إلا أن سلطته على التسميات العالمية محدودة. وقد صرّحت المنظمة الهيدروغرافية الدولية، المسؤولة عن رسم خرائط المناطق البحرية، بأنه لا يوجد اتفاق دولي رسمي بشأن تسمية البحار والخلجان.
بالتالي، فإن أي إعادة تسمية للخليج العربي من قِبل الولايات المتحدة لن تُلزم الدول الأخرى باعتماد المصطلحات الجديدة. حاليًا، يُلزم المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية باستخدام اسم “الخليج الفارسي” في المراجع الرسمية للحكومة الأمريكية.
جذور تاريخية وثقافية عميقة في إيران
يعود اسم “الخليج الفارسي” إلى أكثر من ألفي عام، وترتبط أصوله بالإمبراطورية الفارسية وعهد قورش الكبير حوالي عام 550 قبل الميلاد. لطالما اعتبر الإيرانيون هذا المصطلح جانبًا أساسيًا من هويتهم الوطنية.
يُعتبر الاسم رمزًا للاستمرارية الثقافية والتاريخية لإيران، حيث يتجذر كل من الخليج الفارسي وبحر قزوين في الوعي الوطني.
أثار اقتراح ترامب توترًا في المجتمع الإيراني، إذ وحّد المواطنين من مختلف الخلفيات السياسية والأيديولوجية والدينية. وأكد المؤرخ تورج دريائي من جامعة كاليفورنيا-إرفاين أن النقاش يتجاوز السياسة والدين. فبالنسبة للعديد من الإيرانيين، يُعد اسم الخليج جزءًا لا يتجزأ من تراثهم، وأي تغيير فيه يُعدّ اعتداءً على هويتهم الثقافية.
إدانة واسعة النطاق من إيران
كان رد الفعل الإيراني سريعًا وموحدًا. عبّرت شخصيات بارزة، من بينها المنتخب الوطني الإيراني لكرة القدم، عن غضبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشر هاشتاج #الخليج_الفارسي_إلى_الأبد. حتى أعضاء المعارضة الإيرانية انضموا إلى موجة الإدانة. ندد رضا بهلوي، نجل شاه إيران المخلوع، باقتراح ترامب تغيير اسمه، واصفًا إياه بإهانة لحضارة إيران وتاريخها.
في طهران، انتقد المحلل أحمد زيد آبادي الفكرة، مشبهًا إياها بحلم مستحيل بتغيير اسم خليج المكسيك. ونشر على وسائل التواصل الاجتماعي: “لن يتخذ الخليج الفارسي اسمًا مزيفًا لمجرد نزوات ترامب”.
أقرا أيضا.. جولة جديدة من مباحثات أمريكا وإيران في سلطنة عمان.. هل تكون الأخيرة؟
تغيير اسم الخليج العربي: جدل طويل الأمد
الجدل حول اسم الخليج الفارسي ليس جديدًا. اكتسب مصطلح “الخليج العربي” زخمًا خلال الحركة القومية العربية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، إلا أن اسم الخليج الفارسي استُخدم باستمرار في الوثائق والخرائط والدبلوماسية الدولية لقرون.
لطالما استخدمت الأمم المتحدة، على وجه الخصوص، مصطلح “الخليج الفارسي” في قراراتها وتقاريرها. في عام 2006، وجدت مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة أدلة تاريخية بالإجماع تدعم مصطلح “الخليج الفارسي”، مؤكدةً جذوره في الإمبراطورية الفارسية القديمة.
التأثير المحتمل على العلاقات الأمريكية الإيرانية
تأتي تصريحات ترامب في لحظة حرجة في العلاقات الأمريكية الإيرانية، حيث انخرط البلدان في محادثات غير مباشرة حول البرنامج النووي الإيراني.
حذّر سيد حسين موسويان، الدبلوماسي الإيراني السابق المشارك في المفاوضات النووية عام 2015، من أن تغيير اسم الخليج قد يُعرقل المحادثات. وقال: “سيؤدي ذلك إلى خلق حالة من عدم الثقة، وتشجيع المتشددين في إيران الذين يقولون إنه لا يمكن الوثوق بأمريكا”.
يُعمّق هذا الاقتراح انعدام الثقة القائم بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما بين الإيرانيين الذين يعتبرون الإجراءات الأمريكية مُقوّضة لسيادتهم وتراثهم الثقافي. كما قد يُعقّد جهود التفاوض على اتفاق نووي، إذ قد تُؤجّج مسألة تغيير الاسم المشاعر القومية وتُزيد من مقاومة الدبلوماسية الأمريكية.
في حين أن ترامب ربما كان يأمل في تهدئة دول الخليج بهذا الاقتراح، إلا أنه أثار بدلاً من ذلك مشكلة ثقافية ودبلوماسية كبيرة. ينظر الإيرانيون، المُتحدون في معارضتهم، إلى هذا الاقتراح على أنه هجوم على تاريخهم وهويتهم الوطنية.
بينما تُواجه الولايات المتحدة وإيران قضايا جيوسياسية مُعقّدة، قد تُشكّل مسألة اسم الخليج العربي تذكيرًا صارخًا بالانقسامات الثقافية العميقة التي لا تزال تُشكّل علاقتهما.