حرب إسرائيل في الضفة الغربية.. تهجير قسري وتصاعد عنف المستوطنين

أصبحت قرية المعرّجات الفلسطينية الهادئة والمعزولة في الضفة الغربية المحتلة آخر ضحايا تصاعد عنف المستوطنين هذا الأسبوع، حيث أُجبر جميع سكانها تقريبًا، والبالغ عددهم 200 نسمة، على ترك منازلهم.
وجاء الإخلاء بعد أيام من المضايقات المتواصلة: نهب المستوطنون المنازل، وأقاموا بؤرة استيطانية جديدة، وأمروا القرويين صراحةً بالمغادرة.
بحلول عصر يوم الجمعة، لم يبقَ سوى عدد قليل من العائلات، ففكّكت منازلها المتواضعة واستعدت لمستقبل غامض.
قال سليمان مليحات، وهو قروي يبلغ من العمر 34 عامًا: “إنه شعورٌ فظيع أن تُدرك أنك تفقد المكان الذي وُلدت فيه، حيث كان لديك مجتمع ذو قيم مشتركة، حيث كنت تكسب رزقك، لا أستطيع وصفه”، لكن حزنه يشوبه نذير شؤم: “اليوم نحن.. لكن سيتبعنا كثيرون آخرون”.
نمط أوسع: عنف المستوطنين منذ 7 أكتوبر
مصير قرية المعرجات ليس فريدًا، فمحنة القرية جزء من موجة عنف وتهجير أوسع اجتاحت الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023.
وفقًا للأمم المتحدة، نفذ المستوطنون أكثر من 2500 هجوم في أنحاء المنطقة خلال الأشهر الـ 21 الماضية – اعتدوا على القرويين، وخربوا المنازل، وأتلفوا المحاصيل، وقد أدى هذا العنف بالفعل إلى تهجير أكثر من عشرين تجمعًا ريفيًا فلسطينيًا.
يقول الخبراء إن تصاعد الهجمات يعكس حملة أوسع وأكثر جرأة من جانب المستوطنين الإسرائيليين – وبشكل متزايد من جانب الحكومة نفسها – لتشديد السيطرة على الضفة الغربية.
بينما يبقى اهتمام العالم منصبًا على غزة، تشهد الضفة الغربية اضطرابات عميقة، حيث تُسرّع الحكومة الإسرائيلية جهودها لتوسيع المستوطنات وترسيخ قبضتها على الأراضي الفلسطينية.
سياسة الحكومة: التوسع والضم
في مايو، وافقت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة على أكبر توسع استيطاني منذ جيل – 22 مستوطنة جديدة، وهي مستوطنة غير قانونية بموجب القانون الدولي. ويدفع أعضاء حزب الليكود بزعامة نتنياهو الآن نحو الضم الرسمي للضفة الغربية، وهي خطوة من شأنها أن تُقوّض آمال حل الدولتين بشكل أكبر.
يُحذّر إبراهيم دلالشة، مدير مركز هورايزون للدراسات السياسية في رام الله، قائلاً: “يبدو أن هذا [التوسع] مُصمّم بعناية لتجزئة الضفة الغربية، وعزل القدس، والقضاء بشكل أساسي على فكرة حل الدولتين برمتها”. ويضيف: “إنه عمل فعلي على الأرض لغرض محدد. إنه عمل استراتيجي”.
تكثفت الدعوات إلى الضم، حيث حثّ 15 وزيرًا من حزب الليكود نتنياهو على المضي قدمًا قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، بينما يشكك العديد من الدبلوماسيين في أن الضم الشامل وشيك – خوفًا من أن يُعرّض التواصل الدبلوماسي الإسرائيلي مع الدول العربية والإسلامية للخطر – فإنهم يُقرّون بأن الضم الجزئي، وخاصةً للمستوطنات الكبيرة القريبة من إسرائيل، لا يزال احتمالًا قائمًا.
التأثير على المجتمعات الفلسطينية
بالنسبة للفلسطينيين، وخاصةً سكان المجتمعات النائية مثل المعرّجات، فإن التهديد المُباشر هو العنف نفسه. لقد عانى الكثيرون بالفعل من النزوح المتكرر، وهم يشاهدون المزيد والمزيد من الأراضي تتلاشى تحت ضغط التوسع الاستيطاني. في يونيو وحده، أصابت هجمات المستوطنين 95 فلسطينيًا – وهو أعلى إجمالي شهري منذ 20 عامًا.
وإلى جانب صدمة فقدان منازلهم، دمّر العنف الاقتصادات المحلية. فمع انقطاع الوصول إلى الأراضي الزراعية وسرقة الماشية، فقدت الأسر مصادر دخل أساسية.
حتى قبل التهجير الأخير، أصبحت آلاف الدونمات من الأراضي الواقعة بين قرية المعرجات وقرية العوجا المجاورة غير قابلة للوصول إليها بسبب تهديدات المستوطنين، كما يقول عارف دراغمة، الباحث الميداني في منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان.
ويوضح قائلاً: “أصبحت منطقة مغلقة عليهم”.
إفلات المستوطنين من العقاب ودور السلطات
يشعر القرويون بالقلق بشكل خاص إزاء ما يصفونه بإفلات شبه كامل للمستوطنين من العقاب. يقول السكان إنه قبل 7 أكتوبر، كان الاتصال بالشرطة أو الجيش يوفر لهم الحماية أحيانًا، أما الآن، فيزعمون أن قوات الأمن أكثر ميلًا للانحياز إلى جانب المستوطنين أثناء الهجمات.
يقول سليمان مليحات: “بعد 7 أكتوبر، بدأت الهجمات تقع بشكل شبه يومي. وأصبح دور الشرطة والجيش ليس حمايتنا من المستوطنين، بل دعمهم وحمايتهم أثناء مهاجمتهم لنا”.
ينفي الجيش الإسرائيلي، من جانبه، مشاهدة أي عنف خلال العمليات الأخيرة في المعرجات، ويؤكد اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الجنود الذين يخالفون البروتوكول. وتحافظ الشرطة على سياسة “عدم التسامح مطلقًا مع العنف أو الأعمال العدوانية”.
أقرا أيضا.. ترامب ونتنياهو يستعدان لمواجهة.. جائزة نوبل للسلام أم ضرب إيران؟
الرد الدولي: إدانة دون تغيير يُذكر
ردّ المجتمع الدولي بالإدانة والعقوبات، بما في ذلك إجراءات تستهدف عضوين من القوميين المتطرفين في حكومة نتنياهو. دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى اعتراف عالمي بدولة فلسطينية، وهدد الاتحاد الأوروبي بمراجعة اتفاقياته التجارية مع إسرائيل.
لكن على أرض الواقع، يبدو أن هذه الخطوات لا تُحدث تأثيرًا يُذكر. يقول السكان المحليون إن المستوطنين العنيفين المدرجة أسماؤهم في قوائم العقوبات يواصلون أنشطتهم دون هوادة.
من بينهم زوهار صباح، التي صنفتها المملكة المتحدة على أنها متورطة في أعمال عدوانية ضد الفلسطينيين، ويُقال إنها شاركت في هجوم المعرجات هذا الأسبوع.
يقول مليحات: “العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي هي مجرد إراحة ضمائرهم، ليتمكنوا من قول ما فعلوه. لكنها في الواقع لا توقف أي شيء”.
يعتقد هو وقرويون آخرون أن حملة طردهم ليست مجرد عمل مستوطنين مارقين، بل هي جهد ممنهج مدعوم من الدولة لإعادة تشكيل الضفة الغربية. إنه مشروع، مشروع حكومي: يريدون تهجيرنا من هذه المناطق… والمستوطنون إحدى أدوات تهجيرنا.