مفاوضات صعبة.. خبراء يرسمون مسار مناقشات مصر مع صندوق النقد وسيناريوهات الأزمة
القاهرة (خاص مع مصر) تبدأ كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، زيارة إلى مصر خلال الأيام المقبلة لمراجعة آخر تطورات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر.
وأشارت كريستالينا جورجييفا، إلى إن الصندوق منفتح بشكل كبير على تعديل برنامج مصر، وقالت: “مصر تتحمل تكاليف باهظة بسبب التوترات في المنطقة”.
سياسات مالية ونقدية واجبة التطبيق
في البداية أكد د. مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي، أن هناك اتفاق لمصر مع صندوق النقد الدولي وهو ما يترتب عليه التزامات وسياسات مالية ونقدية معينة واجبة التطبيق، وأشار إلى أنه بناء على هذا البرنامج تحصل مصر على ما قيمته 8 مليارات دولار، كما أن صندوق النقد الدولي – وفقًا للبرنامج ايضًا – يعطي مصر “شهادة” تؤكد التزامه باتباع إجراءات محددة لتحسين الاقتصاد المصري.
وأضاف في تصريحات لـ”خاص عن مصر” أن هذه الشهادة تتسبب في جذب مزيد من الاستثمارات غير المباشرة عن طريق ضخ أموال بالمليارات عن طريق شراء السندات وأذون الخزانة بقيمة تصل إلى ما يقرب من 35 مليار دولار وهو ما تم بالفعل منذ أول مارس الماضي وحتى الآن.
فن التفاوض بين مصر وصندوق النقد الدولي
وأشار “بدرة” إلى أن قد تحدث بعض النتائج العكسية لو طلبت الحكومة عدم تنفيذ بعض السياسات أو الإجراءات، كما أنها قد تؤدي إلى عزوف بعض الاستثمارات، وهنا يأتي دور “فن التفاوض”، حيث يجب إقناع مسئولي الصندوق بأن مصر لم تخل بأي من الالتزامات الخاصة بها مع الصندوق، وعلى سبيل المثال تم تحرير سعر العملة عدة مرات، ورفع الدعم عن المحروقات بشكل كبير، مع بدء التفكير تدريجيا في التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، وكذلك تحريك أسعار الخبز.
وأضاف أن قيمة العملة المصرية تراجعت أمام العملات الأجنبية منذ مارس الماضي بحوالي 40 % تقريبًا، وهو أهم الأمور التي يجب أن توضع على مائدة المفاوضات بين الطرفين، كما أنه يجب الإشارة أيضًا إلى تحسن الوضع الاقتصادي ودخول استثمارات كبيرة مثل مشروع رأس الحكمة وكذلك الاستثمارات السعودية المنتظر دخولها خلال الفترة المقبلة.
وقال إن عرض هذه الأمور يؤكد ان مصر تسير في الطريق الصحيح، وبما يتوافق مع السياسات والإجراءات التي طلبها صندوق النقد، إلا أن بعض الأمور مثل التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني تتطلب شيء من الملاءة المالية وهو الأمر الذي قد لا يتوفر في الوقت الحالي.
سيناريوهات التعامل المصري مع صندوق النقد الدولي
وأوضح “بدرة” أنه يرى أن هناك سيناريوهين للتعامل مع صندوق النقد الدولي، الأول أن نتفاوض مع صندوق النقد كي يتولى إقناع بعض الدول والجهات الدائنة بخفض جزء من المديونية حتى لو وصلت إلى 10 %، أما السيناريو الثاني فهو لإقناع الصندوق بتحويل جزء من هذه الديون إلى استثمارات وهو ما يجري التفاوض عليه بالفعل في الوقت الحالي مع الاتحاد الأوروبي والصين، بعد أن نجحت مصر في تنفيذه مع ألمانيا وإيطاليا خلال الفترة الماضية.
وأشار إلى أنه يجب البحث عن جهة تعيد تصنيف مؤسسات الدولة المصرية بعيدًا عن مورجان ستانلي وستاندرد آند بورز وهي المؤسسات التي اعتادت على خفض تصنيف مصر بسبب ودون سبب، ودعا إلى اللجوء إلى صندوق النقد العربي ومقره الإمارات إذ إنه يعمل على تقييم تصنيف الدول العربية ومؤسساتها بصورة صحيحة.
سياسات ثابتة لا تتغير
من جانبها أكدت د. هدى الملاح رئيسة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، أن صندوق النقد له سياسات معينة وثابتة لا تتغير لمنح القروض لأي دولة، وبالتالي يصبح على كل دولة الالتزام بتنفيذ سياساته وإجراءاته، وهي قررارات قد تكون صعبة لكن لا مفر منها من بينها تحرير سعر العملة وخصخصة بعض شركات القطاع العام ورفع الدعم بصورة كاملة.
وأوضحت في تصريحات لـ”خاص عن مصر“، أنه خلال جلسة التفاوض المقبلة يجب أن تكون مصر جاهزة للتعامل مع مختلف الإجراءات التي قد يطالب بها ممثلو الصندوق، ومن بينها القدرة على جذب مزيد من الاستثمارات لزيادة الإنتاج المحلي عن ريق حزم تمويلية ميسرة وحزم من التسهيلات الاستثمارية والضريبية أمام الاستثمار المحلي والأجنبي.
مصر واجهت صدمات اقتصادية ليست طرفًا فيها
وأضافت أن مصر تسير في طريق الإصلاح الاقتصادي بصورة سليمة وهو ما أكدته العديد من التقارير الدولية، وقالت إنه يجب الحديث مع ممثلي الصندوق أن مصر واجهت خلال السنوات الماضية “صدمات اقتصادية” ليست طرفًا فيها ومن بين أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وكذلك حرب غزة الدائرة الآن والتي لا يعلم أحد متى تنتهي.
وأشارت إلى أنه ينبغي التأكيد على هذه الصدمات أثرت بشكل كبير على خطط مصر الاقتصادية، ما تسبب في عواقت ونتائج لم تكن في الحسبان، وبالتالي فإن مراجعة تأجيل تنفيذ بعض الإجراءات هو أمر طبيعي في ظل المتغيرات الاقتصادية الدولية، وما هو متوقع أن تشهده الفترة المقبلة أيضًا من تحديات قد لا تستطيع كثير من الدول ومن بينها مصر التعامل معها بالشكل المطلوب.
وقالت إن هذه الظروف تقتضي وبشكل عاجل إيجاد نوع من التنسيق بين السياسات النقدية ومسئول عنها البنك المركزي والسياسات المالية ومسئول عنها وزارة المالية، حيث إن غياب التنسيق بين كلا الجانبين قد يؤدي إلى تضارب السياسات وبالتالي مزيد من القرارات العشوائية.
تنمية المجتمعات دون أعباء جديدة
أما الخبير الاقتصادي خالد راغب، فأكد أنه يجب العلم والتأكيد خلال الجلسات التفاوضية المقبلة مع صندوق النقد الدولي أن أهدافه الأساسية هي الحفاظ على تنمية المجتمعات وليس التسبب في مشكلات إضافية أو أعباء جديدة عليها، كما أنه يجب التأكيد على أن مصر تستضيف الآن أكثر من 10 مليون لاجيء من مختلف الدول التي تعاني من صراعات وحروب، وهو ما يمثل عبء جديد يحتاج مزيد من المساعدات الدولية لمصر للوفاء بالتزاماتها تجاه هؤلاء الأفراد.
وأضاف في تصريحات لـ”خاص عن مصر” أن ما هو مطلوب من مصر حال عدم الوصول إلى صيغة اتفاق مع صندوق النقد الدولي أن يتم إقرار حزمة من السياسات المالية المشجعة للاستثمار، بالإضافة إلى منع كل أشكال المضاربة والاحتكار في السلع خاصة بعد تراجع القوة الشرائية للمواطنين بسبب زيادة معدلات التضخم.
وقال: يجب العمل على إيجاد مخزون كبير من السلع لأطول فترة ممكنة وهو ما تتولاه وزارة التموين في الوقت الحالي، مع فرض رقابة محكمة على السواق منعًا للتلاعب في الأسعار، وإقرار حزم حماية اجتماعية جديدة خاصة للفئات محدودة الدخل، وكذلك يجب على البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة لزيادة معدلات الاستثمار المحلي وبالتالي زيادة معدلات الإنتاج.
صرف الشريحة الثالثة من برنامج دعم مصر
جدير بالذكر أنه في مايو الماضي أقر مجلس صندوق النقد الدولي صرف الشريحة الثالثة من برنامج دعم مصر بقيمة 820 مليون دولار، واعتمد مجلس الصندوق في نهاية مارس الماضي، المراجعتين الأولى والثانية في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إلى 8 مليارات دولار.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد أكد أنه “لا بد من مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إذا كان سيضع الناس في وضع غير محتمل”، وقال خلال جلسة حوارية بالمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية: “لو لم يُؤخذ في الاعتبار التحديات التي نواجهها، بما في ذلك أننا فقدنا 6 إلى 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس -ومن المحتمل أن يستمر هذا الوضع لمدة سنة- وإذا كان البرنامج المتفق عليه مع الصندوق سيجعلنا نضغط على الناس، لابد للحكومة من مراجعة هذا الاتفاق”.
كما قال مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، أن الحكومة ستنظر مع الصندوق مراجعة توقيتات ومستهدفات البرنامج، بما يتوافق مع المصلحة المصرية، والنمو الاقتصادي، وتقليل الآثار الاجتماعية على المواطن.