خلافات أم ضغوط غربية.. هل يتراجع السودان عن منح روسيا قاعدة عسكرية؟

في ظل تسارع التوترات الدولية وتعقّد المشهد الإقليمي في البحر الأحمر، يعود الحديث مجددًا عن اتفاقية إنشاء روسيا قاعدة بحرية في مدينة بورتسودان شمال السودان.

ويأتي هذا وسط تضارب في التصريحات الرسمية بين التأكيد على “تفاهم كامل” مع موسكو من جهة، وتكرار الحديث عن الحاجة إلى “تصديق برلماني” من جهة أخرى.

هذه التطورات تثير تساؤلات حول ما إذا كان السودان قد بدأ فعليًا التراجع عن تنفيذ الاتفاق، أم أن التأخير يعود إلى اعتبارات سياسية داخلية وضغوط خارجية متزايدة.

تفاهم بين روسيا والسودان دون توقيع نهائي

في فبراير الماضي، أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف عن “تفاهم مشترك” مع روسيا بشأن مشروع القاعدة، مؤكدًا عدم وجود عقبات من حيث المبدأ أمام تنفيذ الاتفاق، ما أعطى الانطباع بأن الخرطوم حسمت موقفها لصالح موسكو.

إلا أن السفير الروسي لدى السودان، أندريه تشيرنوفول، عاد وأكد أن الاتفاق لا يزال معلقًا بسبب غياب برلمان سوداني منتخب، بعد حل المجلس التشريعي في أعقاب قرارات عبد الفتاح البرهان عام 2021، وتفاقم الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ضغوط أمريكية وتحفظات إقليمية تعرقل صفقة روسيا والسودان

الولايات المتحدة، التي تتابع عن كثب التحركات الروسية في إفريقيا، تعارض بشدة أي وجود عسكري روسي دائم في البحر الأحمر، وترى في إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان تهديدًا مباشرًا لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.

كما أن دولًا عربية فاعلة، مثل السعودية والإمارات، تتحفظ على هذا التوجه السوداني، خشية تحول البحر الأحمر إلى ساحة صراع بين الغرب وروسيا، وهو ما يضع القيادة السودانية أمام خيارات صعبة.

هل بدأ السودان التراجع أم يناور سياسيًا؟

رغم التفاهمات المُعلنة، تبدو الخرطوم في موقع مناور يُحاول كسب الوقت. فإرجاع تأجيل التصديق إلى غياب البرلمان يُفسّر كمؤشر على وجود تيارات داخل الحكومة أو المؤسسة العسكرية تعارض المضي قدمًا في الاتفاق.

بعض التحليلات ترى أن السودان لا يريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، خاصة مع استمرار إدراجه في قوائم العقوبات، وحاجته الماسة إلى دعم اقتصادي وإنساني.

دوافع روسية استراتيجية في البحر الأحمر

بالنسبة لموسكو، يمثل هذا المشروع بوابة استراتيجية طال انتظارها للعودة إلى واجهة النفوذ العسكري في البحر الأحمر وإفريقيا عمومًا، خاصة بعد فقدانها قاعدة بربرة في الصومال منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

القاعدة المفترضة في بورتسودان ستستوعب 300 عنصر، ويمكنها استقبال أربع سفن حربية، من بينها سفن تعمل بالطاقة النووية، ما يمنح روسيا قدرة أكبر على التحرك والتموين والإصلاح البحري، خصوصًا في ظل انشغالها بتوسيع نطاق نفوذها في شمال إفريقيا عبر ليبيا وسوريا.

الجيش السوداني… المستفيد الأول من الشراكة من روسيا

في المقابل، يواجه الجيش السوداني أزمة متفاقمة في الإمدادات والتسليح، ويعتمد بشكل أساسي على ترسانة عسكرية روسية الصنع.

الاتفاقية – بحسب مراقبين – تمنح الجيش فرصة للحصول على قطع غيار وذخائر وطائرات جديدة، وهو ما تعتبره القيادة العسكرية مكسبًا استراتيجيًا في خضم النزاع مع قوات الدعم السريع.

مستقبل الاتفاق بين السودان وروسيا

تبدو كل المؤشرات واضحة: السودان لم يتراجع بشكل رسمي عن منح روسيا القاعدة، لكنه أيضًا لم يقدم الخطوة الحاسمة للمصادقة عليها.

وفي ظل استمرار الحرب الداخلية، وغياب سلطة تشريعية، وتضارب مراكز القرار، يبقى الاتفاق مجمدًا حتى إشعار آخر. مستقبل هذا التعاون العسكري لن يُحسم فقط في بورتسودان، بل في مكاتب صنع القرار في واشنطن وموسكو والرياض.

اقرأ أيضا

طريقك إلى المؤبد| دولة عربية ترفع عقوبة الغش في الامتحانات لـ15 سنة سجن.. ما القصة؟

زر الذهاب إلى الأعلى