سوريا بعد الأسد.. هل تُعيد استثمارات الخليج رسم موازين القوى في الشرق الأوسط؟

يشهد المشهد السوري تحولات مهمة عقب سقوط نظام بشار الأسد، حيث بدأ دور دول الخليج في دعم إعادة إعمار البلاد يأخذ زخما ملحوظا، مع تولي أحمد الشرع، أحد زعماء المعارضة، رئاسة سوريا، تظهر دول الخليج مهتمة بتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دمشق.
ووفقا لـ “نيويورك تايمز”، جاء هذا التحرك بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة تعليق العقوبات على سوريا، وهو ما أعطى دفعة للاستثمارات الخليجية في إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية السورية.
استثمارات مهمة ومبادرات اقتصادية
اتخذت المملكة العربية السعودية وقطر خطوات ملموسة بتسوية ديون سوريا للبنك الدولي البالغة 15.5 مليون دولار، مما أتاح الوصول إلى أموال إعادة الإعمار الدولية الحيوية.
كما تقوم الشركات الخليجية باستثمارات كبيرة: فقد وقعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية بقيمة 800 مليون دولار لتطوير ميناء طرطوس الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، والذي كان تاريخيا قاعدة بحرية روسية.
واستأنفت شركات الطيران الخليجية الحكومية رحلاتها إلى دمشق، في دلالة على تجدد العلاقات بعد سنوات من العزلة السورية، وتُبرز هذه الخطوات التزام الخليج بإنعاش الاقتصاد والبنية التحتية السورية التي مزقتها الحرب بعد ما يقرب من 14 عامًا من الصراع المدمر.
تضاؤل النفوذ الإيراني.. نموذج إقليمي جديد
كانت سوريا، في عهد الأسد، محورا أساسيا في “هلال النفوذ” الإيراني الذي يربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، ومع التغيرات الأخيرة وضعف بعض مكونات القوة الإيرانية، ترى دول الخليج فرصة لتقديم نموذج إقليمي ورؤية بديلة للمنطقة تركز على التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، على نحو مختلف عن الأدوار السابقة.
وأكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن المنطقة تمر بظروف معقدة لكنها تحمل فرصاً للتعاون والتطوير، خصوصا في دعم سوريا لتحقيق الاستقرار والنمو.
آراء الخبراء.. تركيز على الاستقرار والتنمية
يرى بدر السيف، أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، أن هذه اللحظة تعكس توافقا إقليميا حول التركيز على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، مثل الكهرباء والمياه، وإرساء نموذج حكومي قادر على تقديم خدمات ملموسة.
وبدورها، تشير كريستين ديوان، باحثة في معهد دول الخليج العربية، إلى نجاح الرئيس الشرع في بناء ثقة الجهات الفاعلة، مع التنويه إلى أهمية توخي الحذر حيال التحديات التي قد تواجه مسار إعادة البناء.
أحمد الشرع.. من مقاتل سابق إلى زعيم براغماتي
ويمثل الرئيس أحمد الشرع، الذري ولد في المملكة العربية السعودية، مرحلة جديدة لسوريا، إذ أنه تحول من ماضيه كمقاتل سابق إلى شخصية سياسية تركز على الأهداف العملية والتنموية بدلا من الأيديولوجيا. وصرح في مقابلة له مع لصحيفة “ذا جويش جورنال” بأن “الأولوية الآن هي توفير أسباب للاستقرار والمعيشة والتمسك بالمستقبل.”
ويواكب هذا التحول تطورات في المملكة العربية السعودية التي تشهد تغييرات اجتماعية واقتصادية تعزز من انفتاحها على العالم.
تطورات إقليمية وتحديات مستقبلية
كما شهدت المواجهات الأخيرة بين إسرائيل وإيران تغييرا في موازين القوى، مع حرص سوريا الجديدة على عدم الانجرار إلى الصراعات، ، مما يعكس التموضع الدقيق لحكومتها الجديدة.
وتعتبر دول الخليج هذا المشهد فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي ودعم الاستقرار في المنطقة.
ودعا الملياردير الإماراتي خلف الحبتور إلى الاستثمار في “عقول وطاقات وشعب سوريا النبيل”، معبرا عن التفاؤل بمستقبل البلاد.
اقرأ أيضا.. خطوة استثنائية.. “أكوا باور” السعودية تعلن زيادة رأسمالها إلى 7.12 مليار ريال
سوريا ومحفز لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي
وتشكل المبادرة الخليجية لإعادة إعمار سوريا نموذجا للأمل في منطقة واجهت العديد من التحديات خلال السنوات الماضية.
كما يؤكد بدر السيف، فإن التركيز على إعادة البناء وتلبية الاحتياجات الأساسية يمثل خطوة نحو استقرار المنطقة بأكملها.
هذا التحول قد يعيد رسم خارطة النفوذ السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، مع دور متزايد لدول الخليج في قيادة جهود التعافي.