اقتصاد

سيمنس تختار حسن علام للمشاركة في تنفيذ قطار يربط الإمارات بعمان

أعلنت شركتا سيمنس موبيليتي وحسن علام للإنشاءات في 24 إبريل من العام الجاري عن فوزهما بعقد تصميم وبناء ودمج أنظمة خط سكة حديد أبو ظبي – صحار، الذي يُعتبر أول خط سكة حديد عابر للحدود في الشرق الأوسط والعالم العربي يربط الإمارات العربية المتحدة بسلطنة عُمان. لفت الإعلان عن الخط ذاته انتباه المتابعين المصريين، لكن الشركة المصرية المساهمة في إنشائه لم تنل ذات الاهتمام. قد يُعزى ذلك إلى اعتبارها حادثة فردية، أي أن تفوز شركة مصرية بعقد بهذه الضخامة، لصالح ملاك دوليين من الوزن الثقيل مثل شركتي عُمان والاتحاد للقطارات، وبالشراكة مع أحد أعرق الشركات في المجال مثل سيمنز. لكن المُتابع الجيد سيكتشف أن اتجاه خروج الشركات المصرية العامة والخاصة للإقليم هو اتجاه عام صاعد وبشدة.

في ذات الشهر أعلنت أورا العقارية المصرية عن توقيع عقد مع كيو الإماراتية لتنفيذ مدينة ذكية على مساحة 20 مليون م² في منطقة غنتوت الواقعة بين إمارتي أبو ظبي ودبي، باستثمارات تصل إلى 15 مليار دولار، كأكبر استثمار عقاري أجنبي مباشر في الإمارات على الإطلاق.

قبل هذا الإعلان بأقل من شهرين كانت مجموعة شركات طلعت مصطفى قد أعلنت في 6 مارس عن توقيع الاتفاق النهائي لشراء أرض مشروع مدينة بنان بالعاصمة السعودية، التي تُعتبر نسخة مُصغّرة من مشروع “مدينتي” في مصر. تُقام المدينة الجديدة على نحو 10 مليون م² لتضم 27 ألف وحدة سكنية. وهو مشروع يُعتبر الأول من نوعه بهذه الضخامة منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت شركات المقاولات المصرية، وعلى رأسها المقاولون العرب، تُسيطر على السوق العقاري العربي قبل أن تخفت هذه السيطرة لصالح الشركات التركية والخليجية الصاعدة في وقتها.

المقاولون العرب ذاتها تبدو في اتجاه استعادة بريقها الإقليمي، حيث تقوم بتنفيذ عدد من مشاريع الطاقة المتجددة، على رأسها سد جوليوس نيريرى في تنزانيا، بالتعاون مع السويدي إلكتريك المصرية، لإنشاء سد خرساني رئيسي بطول 1025 مترًا وارتفاع 130 مترًا، بالإضافة إلى 4 سدود فرعية أخرى، مع محطة توليد طاقة كهربائية بقدرة 2.1 جيجاوات. لكن للشركة كذلك عدد آخر من المشروعات الضخمة ضمن برامج إعمار الدول العربية المتضررة من الصراع، مثل مصفاة نفط كربلاء التي انتهت منها في 2019، ومحطة كهرباء الديوانية وغيرهما.

لا يبدو الاتجاه فرديًا ولا مصادفة إذن، حيث أن هذه الشركات توسعت للخارج في ذات التوقيت بعدما كانت منغلقة على السوق المحلية طوال العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولعل ذلك يرجع في أساسه إلى النمو السريع للشركات الإقليمية التي اكتسبت خبرات واسعة من التطور العمراني في أسواقها المحلية، خصوصًا في السعودية والإمارات وقطر وتركيا، حيث نفذت هذه الدول مشروعات بنية تحتية واسعة، أكسبت شركاتها خبرات كبيرة ومتنوعة في وقت قصير، رفعتها لمستوى الشركات الدولية الكبرى في الصين والهند والولايات المتحدة وأوروبا.

كذلك أنتجت هذه البرامج ملائة مالية ضخمة لهذه الشركات، اتاحت لها سيولة كبيرة تستطيع بها التوسع في الخارج، أصبحت بموجبها قادرة على منافسة الشركات المصرية، التي بدأت تعاني من شح المشروعات في السوق المحلية، وبالتالي انهيار قدراتها المالية والفنية معًا.

في ذات الوقت الذي شهدت فيه الدول الإقليمية نهضة عمرانية غيّرت شكلها تمامًا، اكتفت مصر خلال أربعين عامًا بنحو 27 تجمعًا عمرانيًا فقط. هذا المعدل ليس منخفضًا رقميًا فحسب، بل كيفيًا أيضًا، حيث صُمِمت هذه التجمعات دون مفهوم موحد شامل يجمع بينها، أو يُعطيها قابلية للتمدد في المستقبل، أو حتى يستوعب النمو السكاني الهائل. الأمر الذي أدى إلى ظهور عشوائيات على أطراف معظم المدن الكبرى، وخصوصًا القاهرة التي أحاطتها بضع وعشرون منطقة عشوائية وفق أفضل التقديرات تفاؤلًا.

تغيَّر هذا الوضع تمامًا مع بدء برنامج البنية التحتية المصري، الذي شيد 22 مدينة جديدة في أقل من عقد، جميعها من مدن الجيل الرابع. من بين هذه المدن، أكبر مدينة جديدة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي العاصمة الإدارية، وربما العاصمة الصيفية في العالمين. شملت هذه المدن مختلف البيئات: الساحلية، والصحراوية، والجبلية، وغيرها. كما واجه تنفيذها مختلف التحديات، سواء تمهيد الهضاب، أو الوصل بالمدن القديمة، أو حتى إزالة الألغام.

أكسبت التحديات الضخمة التي واجهتها الشركات المصرية في وقت قصير للغاية، خبرة كبيرة مماثلة لنظيراتها الإقليمية، بالإضافة إلى رفع ملاءتها المالية إلى نفس المستوى. أتاح ذلك لها فرصة مقبولة للمنافسة، عملت الإدارة المصرية على تعزيزها مع فتح باب العمل أمامها في ظروف قاسية وبعوائد أعلى في مناطق ما بعد الصراع، فيما أطلقت عليه الدولة المصرية دبلوماسية إعادة الإعمار.

رفضت الشركات الإقليمية العمل في هذه المناطق تمامًا بسبب المخاوف الأمنية، بينما تقبلت الشركات المصرية مخاطرها رغبةً في تأسيس سابقة أعمال قوية حتى في أشد بيئات العمل تطرفًا. أضاف ذلك للشركات المصرية ما لا يوجد لدى نظيراتها.

جمعت العناصر الثلاثة السابقة: الخبرة، والملاءة المالية، والتكيف مع المخاطر، ما رفع المقبولية الإقليمية لشركات المقاولات المصرية وأهّلَها من جديد للمنافسة في الأسواق الإقليمية الكبرى، خصوصًا الأسواق الخليجية. بالتالي، جاءت الموجة الحالية من التوسعات لتخلق المزيد من فرص العمل والخبرة، وتُضيف المزيد من سوابق الأعمال لهذه المجموعة، مما يسمح بمزيد من توسعاتها في المستقبل. ولعل في هذا إجابة من جانب واحد على سؤال كيف تُطعمنا المشاريع القومية.

إعداد : د. محمد شادى

زر الذهاب إلى الأعلى