صاروخ أوقف الحرب.. كيف فرضت كوريا الشمالية الردع النووي على أمريكا؟

في مثل هذا اليوم من عام 2017، أجرت كوريا الشمالية تجربة صاروخية تاريخية ستُعد لاحقاً نقطة تحوّل في توازن القوى العالمي.

فقد نجحت كوريا الشمالية في إطلاق صاروخ “هواسونغ-14” الباليستي العابر للقارات، مثبتةً للمرة الأولى قدرتها على تنفيذ ضربة نووية ضد البر الرئيسي الأمريكي.

هذه التجربة، التي وصفها نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية وقائد القيادة الاستراتيجية الأسبق الجنرال جون هايتن بأنها “غيرت هيكل العالم بالكامل”، مثلت لحظة حاسمة في الصراع الممتد منذ سبعة عقود بين واشنطن وبيونج يانج.

صاروخ كوريا الشمالية فرض معادلة الردع على أمريكا

وبحسب الخبير الاستراتيجي “أ.ب. أبرامز”، فإن نجاح كوريا الشمالية في تلك السنة بإجراء ثلاث تجارب ناجحة لصواريخ عابرة للقارات أرغم الولايات المتحدة على تغيير مقاربتها تجاه الأزمة، ومهّد الطريق لمفاوضات مباشرة في 2018.

صاروخ كوريا الشمالية “هواسونغ-14” الباليستي العابر للقارات

الردع النووي يدخل بعداً جديداً

يرى أبرامز وآخرون أن امتلاك كوريا الشمالية لقدرة موثوقة على توجيه ضربات نووية ضد مدن أمريكية رئيسية غيّر قواعد اللعبة بالكامل.

إذ لم يعد خيار شنّ حرب استباقية على بيونغ يانغ لتدمير برامجها النووية والصاروخية قابلاً للتطبيق، بعدما باتت المدن الأمريكية في مرمى الردع النووي الكوري.

وفي كتابه الأخير “البقاء في عصر القطب الواحد: المواجهة الكورية-الأمريكية على مدار 35 عاماً”, يؤكد أبرامز أن حالة “الهشاشة المتبادلة” التي نشأت بين العاصمتين، جعلت أي مغامرة عسكرية أمريكية تُقابل بمخاطر مدمرة على الداخل الأمريكي، وهو تحول استراتيجي غير مسبوق في تاريخ الدول “الصغيرة والمتوسطة”.

تقدم تكنولوجي قلب المعادلة

بلغت هذه القدرة الجديدة ذروتها في 28 يوليو 2017 مع التجربة الثانية الناجحة لصاروخ هواسونغ-14، وبعدها بأيام، كشفت تسريبات لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية أن بيونغ يانغ طوّرت رأساً نووياً صغيراً يمكن تركيبه على الصواريخ العابرة للقارات.

ووفقاً لأبرامز، فقد أكدت وكالات الاستخبارات الأمريكية امتلاك كوريا الشمالية لمركبة عودة حرارية فعالة (Re-entry Vehicle)، وهي من أعقد التحديات التقنية في تطوير صواريخ طويلة المدى.

ويُعتقد أن معهد المواد الكيميائية في مدينة هامهونغ، المتخصص في إنتاج المواد المركبة الكربونية، كان مسؤولاً عن تطوير هذا النظام.

ويُشير التقرير إلى أن التقدم في علم المواد –خصوصاً المواد المركبة– جعل تصنيع مركبات العودة أسهل بكثير مقارنةً بما كان عليه الوضع في الحرب الباردة.

من الردع إلى التوسّع إقليمياً ودولياً

أدت تجربة 2017 إلى إحباط آمال الغرب في “تفكيك” الدولة الكورية الشمالية، أو ضمها إلى الجنوب المتحالف مع واشنطن. فقد أخرجت التجربة الخيار العسكري من المعادلة، وأجبرت الولايات المتحدة على تقليص وتيرة تطبيق العقوبات.

وفي السنوات التي تلت ذلك، واصلت بيونج يانج تطوير برنامجها الصاروخي، مع إطلاق صواريخ أكثر تطوراً مثل “هواسونغ-17″ (مارس 2022)، و”هواسونغ-18″ (أبريل 2023)، و”هواسونغ-19” بالوقود الصلب (أكتوبر 2024).

كما بدأت البلاد منذ سبتمبر 2021 باختبار مركبات انزلاقية فرط صوتية يصعب اعتراضها.

ولم تقف نتائج الردع عند حماية الداخل، بل امتدّت إلى تمكين كوريا الشمالية من الانخراط في ملفات دولية، أبرزها دعم روسيا عسكرياً في حربها ضد أوكرانيا، وتوسيع صادراتها من الأسلحة.

صاروخ هواسونغ يدفع ترامب إلى طاولة المفاوضات

شكّلت تجربة “هواسونغ-14” في عام 2017 لحظة فارقة أجبرت واشنطن على إعادة حساباتها الاستراتيجية، وفتحت الباب أمام تحوّل غير مسبوق في العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية.

فبعد عقود من العداء والتصعيد، وجد الرئيس الأمريكي حينها دونالد ترامب نفسه مضطراً للتعاطي مع الواقع الجديد الذي فرضته بيونج يانج.

وفي خطوة تاريخية، التقى ترامب بزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في سنغافورة في يونيو 2018، ليكون أول رئيس أمريكي يلتقي وجهاً لوجه مع زعيم كوري شمالي.

ترامب يلتقي كيم جونج أون في القمة التاريخية عام 2018

ويجمع معظم المراقبين على أن هذا التحوّل الدبلوماسي لم يكن ليحدث لولا نجاح بيونغ يانغ في تطوير قدرة نووية عابرة للقارات، تهدد فعلياً مدن الولايات المتحدة.

فقد أدركت واشنطن أن تجاهل كوريا الشمالية أو محاولة عزلها لم يعد خياراً واقعياً، وأن الردع النووي الجديد الذي فرضته بيونج يانج وضعها في موقع تفاوضي متقدّم لا يمكن تجاوزه.

اقرأ أيضاً.. تمهيدًا لحرب محتملة مع تايوان.. الصين تختبر قنبلة قادرة على شل مدن بأكملها

زر الذهاب إلى الأعلى