صندوق أبوظبي السيادي يستهدف إنشاء ميناء يخوت عالمي برأس الحكمة بمصر
د.أحمد صقر يكتب:
منذ الإعلان عن الاتفاقِ التاريخيِ لتنمية مدينة رأس الحكمة في مصر على ساحل البحر الأبيض المتوسط بأكبرِ مبلغ استثمار أجنبي مباشر في تاريخ المنطقة، والذي يُقدَّر بـ 150 مليار دولار استثماراتٍ مباشرة على مدار المشروع، تتجه الأنظار بشغفٍ لمعرفة المزيدِ عن الاتفاق وفلسفة تنمية تلك المنطقة الفريدة على ساحلِ المتوسط.
يتجاوز هذا الاتفاق كونَه مُجرد اتفاق تنمية عقارية وسياحية للمنطقة، فهو يشمل سرعة تأسيسِ الشركة المُطوِّرة للمنطقة وإصدار الرخصة الذهبية لها، وإقرار قانون المنطقة الحرة الخاص بدعمِ تنميةِ قطاعِ الصناعة والخدمات بها، بالإضافة إلى إنشاء منطقة ميناء لليخوت في رأس المثلث الجغرافي المُسمَّى رأس الحكمه، ممّا يجعلها وجهةً مستقبليةً مميزةً لسياحة اليخوت في العالم.
لقد شَهدَت صناعة سياحة اليخوت تطوراً هائلاً خلال العقدينِ الماضيين، حيث توسعت لتُصبِح رقمًا مؤثرًا في اقتصاديات الدول التي نجحت في جعل موانئِها مُلتقى لهذه الصناعة. وتُعدّ سياحة اليخوت من أعلى القطاعات السياحية إنفاقًا على مستوى العالم، ممّا يجعل من رأسِ الحكمه وجهة استثمارية واعدة تُساهِم في تنشيطِ الاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ميناء يخوت رأس الحكمة: نقلة نوعية للسياحة في مصر
واليوم، تُعلن الحكومة المصرية في الجريدة الرسمية عن إنشاء ميناء متخصص ليخوت في ساحل اليخوت برأس المثلث البحري بمدينة رأس الحكمه. ويُعدّ هذا القرار نقلة نوعية على صعيد الاستثمار والتنمية السياحية في الساحل الشمالي المصري، خاصةً مع حسن استغلال تنافسية تكاليف الخدمات المتعلقة بتلك الصناعة، والتي تُعدّ من أرقى وأغلى قطاعات السياحة على الإطلاق. كما يتمتع الموقع الجغرافي الفريد لرأس الحكمه بميزة هائلة، حيث يقع بين ثلاث قارات، ممّا يجعله وجهة مثالية لسياحة اليخوت.
الفوائد الاقتصادية لسياحة اليخوت في مصر
لنتعرف على الفوائد الاقتصادية لسياحة اليخوت، أحد أغنى وأرقى أنواع السياحة التي تنتظرها سواحل البحر المتوسط في مصر خلال السنوات القادمة.
يُعدّ البحر المتوسط وجهةً مثاليةً لسياحة اليخوت، حيث تُشكّل نصفَ سياحة اليخوت العالمية. ويُقدر عدد اليخوت السياحية في المتوسط بأكثر من 30 ألف يخت، بمتوسط إنفاق سنوي يبلغ 12 مليار يورو.
مميزاتٌ اقتصاديةٌ هائلة:
- ينفق سائحُ اليخوت على البر 94٪ أكثر من السائح التقليدي، ممّا يعني معدل ربحية أعلى وضغطًا أقل على الخدمات والبنية التحتية.
- كما تُساهم سياحة اليخوت في مضاعفة إيرادات السياحة من العملة الأجنبية وتحقيق اتزان الميزان التجاري.
أيضًا تلعب سياحة اليخوت دورًا هامًا فى التوظيف المباشر وغير المباشر. إذ توفر سياحة اليخوت متوسط 5 فرص عمل مباشرة لكل يخت يرسو في ميناء مصري، بالإضافة إلى 100 فرصة عمل غير مباشرة في قطاع الخدمات، المطاعم والفنادق، شركات السيارات، وموردي المواد الغذائية والوقود.
تشير التقديرات إلى أن مساهمة سياحة اليخوت في أوروبا عام 2023 خلقت نحو أكثر من 280 ألف وظيفة. فكم من وظيفة مستقبلية يمكن خلقها على السواحل المصرية لسياحة اليخوت؟
تحفيز سياحة اليخوت في مصر: ستة محاور رئيسية
لتحقيقِ الريادةِ في سياحة اليخوتِ في البحر المتوسط، لا بدّ من أن تعمل الدولة المصرية بِفعالية وكفاءة على تحفيز هذه الصناعة وتطبيق المعايير الستة اللازمة لتنمية هذه الصناعة الهامة. كما يجب تفعيل قرار رئيس الوزراء رقم 2721 لسنة 2022 المُختص بتنظيم سياحة اليخوت الأجنبية في سواحل مصر، وتوطين تكنولوجيا التراخيص والإبحار إلكترونيًا بأقلّ الإجراءات وأبسطها. وعلينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فلا نُتيح لِصنم البيروقراطية أيّ سبيلٍ للتأثير عليها.
تشكلُ المحاورُ الستةُ الرئيسيةُ التاليةُ أساسَ الترويجِ لسياحةِ اليخوتِ في مصر، ويجب أن تُبنى عليها جميعُ القراراتِ والإجراءاتِ:
1-تطوير البنية التحتية البحرية:
-رفع كفاءةِ الموانئِ السياحية الموجودةِ حاليًا، تحديث مرافقها وخدماته، إضافة إلى توسيع مساحاتها لاستيعابِ المزيدِ من اليخوت.
-إنشاءُ مراين جديدةٍ بما في ذلك إنشاءُ ميناءٍ دوليٍّ في مدينةِ العلمينِ الجديدة، إنشاءُ مرسىً في مدينةِ الجلالة، وتطوير مراسي مارينا ونادي اليخوتِ التابعِ لها.
-إصدارُ قرارٍ بالترخيصِ لقناةِ السويسِ بتأسيس شركة لتصنيع وصيانةِ وتصديرِ اليخوتِ والوحداتِ البحريةِ في منطقةِ سفاجا؛ حتى لا تذهب اليخوت للصيانهِ في موانئِ دولٍ أخرى.
2-تبنّيُ سياسة سعرية موحدةٍ وجذابة، وذلك من خلالِ:
-الاستفادةُ من الانخفاضِ المؤلمِ لقيمة الجنيه المصري أمامَ العملات الأجنبية.
-تقديمُ تخفيضات وحوافز جاذبة للسفنِ واليخوتِ السياحية.
-معالجةُ مشكلةِ عدمِ تناسقِ رسوم سفن الصيد لليخوتِ الأجنبية على جميعِ الأرصفةِ والموانئِ السياحيةِ ومحطاتِ الركاب؛ بتفعيلُ القرار المشارِ إليهِ سابقًا وتوحيدُ عمليةِ التعاملِ في تقديرِ تلكِ الرسوم لِغلقِ أبواب التهربِ والتجنب.
3-تبسيطُ الإجراءاتِ وتقليل الوقت اللازمِ للحصول على الموافقات، وذلك عبر:
-إنشاءُ منصةٍ الكترونية يمثلُ فيها الجهات المعنيةُ بسياحة اليخوتِ كافة.
-تحويلُ المنصةِ إلى النافذة الموحدة والمبسطة لِلحصولِ على جميعِ الموافقاتِ والدفعِ الإلكترونيّ للرسوم.
-تقليصُ الوقتِ اللازمِ للحصولِ على الموافقاتِ من 6 أيامٍ سابقًا إلى أقلّ من 6 ساعات.
4- وضعُ خطةٍ تسويقيةٍ فعّالةٍ لجذبِ السيّاحِ وتشجيع السياحةِ البحرية، ويمكن ذلك من خلال:
-استهدافُ الشرائحِ المستهدفة بشكلٍ فعّالٍ وجاذب من خلال الوسائطِ والمعارضِ وشركات صناعة وتشغيل اليخوتِ الفاخرة.
-إلى جانب الترويجُ لمصرَ كوجهةٍ مثاليةٍ لسياحة اليخوتِ في البحر المتوسط عبر التأكيدُ على مزايا مصر الفريدةِ، مثلَ موقعها الجغرافيّ المميّز وتاريخها العريق وثقافتها الغنية.
5-توحيدُ متطلباتِ إنشاءِ وتشغيلِ مراينِ اليخوتِ السياحية عبر:
-وضعُ كود موحد لجميع الجهاتِ المعنية العاملة بالمراينِ السياحية والموانئِ المصرية.
-كفاءةٍ وتحديد القواعد المنظمة لها دون تعقيدات.
6-تحديثُ خريطةِ مواقعِ المراينِ الدوليةِ القائمة والمقترح إنشاؤها على مستوى الجمهورية، وتطويرُ خطةِ تنميتها. كما يجبُ وضعُ خطةٍ لتنميةِ المراينِ الدوليةِ بشكل استباقي مدمج فيه القطاع الخاص بقواعدٍ من التنافسية والشفافية.
ختامًا:
حان الوقت لتجربة خيال جديدٍ في الترويجِ لوجهاتنا السياحية الفريدةِ المواصفاتِ بما يليقُ ويستحق وتعظيم الفوائدِ الاقتصاديةِ المُمكنةِ من هذا الاتفاقِ وما حوله. فلا نكتفي بالشريك الأجنبيّ الذي يقومُ بتطوير المنطقةِ، بل نستنهضُ الهمم لكي تتنافسُ سيدي عبد الرحمنِ والضبعهُ ورأسِ الحكمهِ وسيدي حنيشِ، وصولًا إلى مرسى مطروحَ وما بعدها، وعودةً إلى العلمينِ الجديدةِ وما قبلها، ليصبحَ الساحلُ الشماليّ الغربيّ مأهولًا عامرًا طوالَ العامِ على كاملِ الـ 250 كيلو مترًا من السواحلِ المصريةِ، بدءًا من شرقِ تفريعةِ رشيد، تلك المدينةِ التي تحتضنُ صناعةَ اليخوتِ حاليًا في مصر، ومنها تنطلقُ تنميةُ صناعةِ اليخوتِ في مصرَ إلى العالم.
إنْ حَسَنَ التخطيطُ والتدبيرُ للفرصةِ السانحةِ من قلبِ محنةِ التعويمِ والأزماتِ الإقليميةِ والدوليةِ المحيطةِ، فكما علمنا التاريخُ، في قلبِ كلِّ محنةٍ منحةٌ لكلِّ باحثٍ عنها.