كيف هيأت هجمات البحر الأحمر الاقتصاد المصري على التكيف.. أسباب التفاؤل

على الرغم من التحديات الهائلة التي واجهها الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك بوادر تفاؤل حذر تلوح في الأفق في القطاع المالي بالبلاد.
وفقًا لهشام عز العرب، الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي (CIB) – ثالث أكبر بنك خاص في مصر – فإن الاضطرابات التي أثارتها هجمات البحر الأحمر والصدمات العالمية أجبرت مصر على التكيف، مما أدى إلى إصلاحات من شأنها أن تجعل الاقتصاد أكثر مرونة في السنوات المقبلة.
صرح العرب، الذي يدير بنكه أصولًا تزيد قيمتها عن 25 مليار دولار، لموقع “المونيتور” أنه في حين أن الهجمات على الشحن في البحر الأحمر كلفت مصر مليارات الدولارات من رسوم قناة السويس المفقودة، إلا أن الأزمة فرضت أيضًا تغييرات جوهرية في الاستراتيجية الوطنية.
أوضح قائلًا: “دفع عدم استقرار البحر الأحمر هيئة قناة السويس إلى البدء في تنويع إيراداتها من خلال أحواضها الجافة من حيث الصيانة ومباني أحواض بناء السفن ومناطق التصنيع”.

اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر واستجابة قناة السويس
لعقود، شكّلت قناة السويس عصب الاقتصاد المصري، حيث استوعبت حوالي 12% من التجارة العالمية، وساهمت بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
لكن هذا الاعتماد أصبح نقطة ضعف عندما أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى انخفاض حاد في حركة الملاحة في القناة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس أواخر عام 2023. ووفقًا للتقديرات، خسرت البلاد ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من رسوم القناة في عام 2024 وحده.
استجابت الحكومة بتسريع جهودها لتنويع إيرادات هيئة قناة السويس، والتوسع في قطاعي التصنيع والخدمات البحرية لتعويض خسائر تدفقات العملات الأجنبية.
مع تراجع السياحة إلى مصر أيضًا خلال الاضطرابات الإقليمية، أصبح هذا التحول أكثر إلحاحًا. ترى صحيفة العرب أن هذه الخطوات ضرورية للحد من تعرض مصر للصدمات المستقبلية وتعزيز دعائمها الاقتصادية.
مخاطر التبعية – والدعوة إلى التصنيع
إلى جانب قناة السويس، تفاقمت مشاكل مصر الاقتصادية نتيجةً للاعتماد على واردات البحر الأسود، كالأسمدة والقمح، مما جعل البلاد عُرضةً لانقطاعات في سلسلة التوريد العالمية عقب جائحة كوفيد-19 وحرب أوكرانيا.
كما أن عدم استقرار المنطقة – بما في ذلك الإغلاق المؤقت لحقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز، وهو مصدر رئيسي لواردات الغاز المصرية – زاد من ضعف مصر في مجال الطاقة.
يرى العرب أن الحل يكمن في تحول جذري من تصدير المواد الخام إلى تطوير صناعات محلية تُنتج سلعًا ذات قيمة مضافة.
وقال: “القيمة المضافة من تصدير الجلود أو الرمال المُصنّعة تفوق بكثير القيمة التي نحصل عليها من تصدير المواد الخام. نحن بحاجة إلى البدء في معالجة هذه المنتجات من خلال التصنيع المحلي. سيكون ذلك كافيًا لإشعال ثورة صناعية كبرى”.
ويؤكد أن هذه الرؤية لا تتعلق فقط بالمكاسب الاقتصادية، بل بالمرونة أيضًا. ينبغي على مصر إعطاء الأولوية لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة قبل تصدير الغاز، وبناء قاعدة صناعية قادرة على مواجهة الصدمات العالمية.
علامات تعافي الاقتصاد المصري وتجدد ثقة المستثمرين
بلغت الأزمة الاقتصادية المصرية ذروتها في أوائل عام 2023 عندما فقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي، مما أدى إلى تفاقم التضخم واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.
واستجابةً لذلك، اتبعت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الصارمة، شملت: تشديد السياسة النقدية، واعتماد نظام مرن لأسعار الفائدة، وإطلاق برنامج خصخصة للشركات المملوكة للدولة.
ساعدت هذه الإجراءات – إلى جانب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار تم تأمينها في مارس 2024 – على استقرار الاقتصاد. وانخفض معدل التضخم بشكل حاد، من 38% في سبتمبر 2023 إلى 17% بحلول مايو 2025.
عاد الاستثمار الأجنبي، ويتجلى ذلك في مشروع تطوير سياحي بقيمة 35 مليار دولار في رأس الحكمة بدعم من الإمارات العربية المتحدة، وتعهدات جديدة بتقديم رؤوس أموال من قطر والكويت. كما يشهد قطاعا التحويلات المالية والسياحة، وهما مصدران حيويان للعملة الأجنبية، انتعاشًا.
يُمكّن تحسّن السيولة في القطاع المصرفي الشركات المصرية من استئناف خططها الاستثمارية.
وأشار العرب إلى أنه “مع استمرار تحسّن بيئة الاقتصاد الكلي في مصر، تعود ثقة المستثمرين بحذر، حيث بدأ كلٌّ من مستثمري المحافظ الاستثمارية والمستثمرين الاستراتيجيين في إعادة النظر في مصر كفرصة استثمارية واعدة في الأسواق الناشئة”.
أقرا أيضا.. ترامب ونتنياهو يستعدان لمواجهة.. جائزة نوبل للسلام أم ضرب إيران؟
تفاؤل حذر في الاقتصاد المصري
لعلّ أوضح مؤشر على التغيير هو تحوّل نبرة المستثمرين الدوليين. ووفقًا للعرب، “خلال الأشهر القليلة الماضية، وخلال اجتماعاتي مع المستثمرين، لم يعودوا يُناقشون مسألة سعر الصرف وأسعار الفائدة. لم تعد هذه المسألة موضع نقاش”.
لا يزال تعافي مصر هشًا ويعتمد على استمرار تنفيذ الإصلاحات ونجاح جهود تنويع اقتصادها وتصنيعه. ولكن مع خروج البلاد من واحدة من أسوأ فترات الركود الاقتصادي التي شهدتها منذ عقود، يعتقد قادة مثل العرب أن الدروس التي فرضتها الأزمة على مصر تُمهّد الطريق لمستقبل أقوى وأكثر مقاومة للصدمات.