مراكز بيانات فائقة في السعودية.. إيلون ماسك يضع الخليج في قلب سباق الذكاء الاصطناعي

في خطوة تحمل أبعادا استراتيجية وتقنية عميقة، تجري شركة الذكاء الاصطناعي التابعة لإيلون ماسك محادثات مع شركاء محتملين في المملكة العربية السعودية، بهدف استئجار سعة ضخمة لمراكز بيانات، ضمن خطة أوسع لتعزيز بنيتها التحتية عالميا.

وتأتي هذه الخطوة في ظل سعي ماسك لتأمين طاقة حوسبة متقدمة في دول تتمتع بوفرة في الطاقة بأسعار معقولة ورغبة سياسية واضحة في ريادة مستقبل الذكاء الاصطناعي.

تحالف محتمل مع “هيوماين”.. طموح سعودي طويل الأمد

ووفقا لوكالة “بلومبرج” للأنباء، كشفت مصادر مطلعة أن المحادثات الجارية تتضمن شريكا رئيسيا هو شركة هيوماين Humain، وهي شركة ناشئة مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وشركة أخرى لم يكشف عن اسمها تشيد بالفعل منشأة بيانات بقدرة 200 ميجاوات. ويقدم كلا الشريكين المحتملين جداول زمنية متفاوتة ومزايا استراتيجية متعددة.

وعرضت هيوماين، وهي شركة تقنية سعودية بارزة، وإن كانت لا تزال ناشئة، توفير عدة جيجاوات من السعة المستقبلية لمراكز البيانات، ما قد يضع المنشأة ضمن قائمة الأكبر عالميا، إذ يعادل استهلاك منشأة واحدة بقدرة جيجاوات استهلاك نحو 900 ألف منزل من الطاقة سنويا، وفقا لشركة كاربون كوليكتيف.

لكن هذا المشروع ما يزال في مراحله النظرية. فحتى الآن، لم تبدأ هيوماين بعد في تشييد الجزء الأكبر من بنيتها التحتية، مما يجعل العرض استثمارا طويل الأمد بدلا من كونه حلا لاحتياجات إكس أيه آي الحاسوبية الأكثر إلحاحا.

ويضم فريق العمل الرئيسي في هوماين جيف توماس، الذي يقود التطوير التقني للبنية التحتية للبيانات، وسعيد الدوباس، الذي يشرف على المفاوضات التجارية. وقد يُشير تنسيقهم مع إكس أيه آي أيضا إلى تعميق العلاقات بعد الاستثمارات السعودية السابقة في مشاريع يقودها ماسك، والتي ييسرها الأمير السعودي الوليد بن طلال.

خيار فوري.. منشأة بديلة بقدرة 200 ميجاواط

وفي المقابل، يبدو أن الشريك الثاني – الذي لم يكشف عن اسمه – يعمل بالفعل على بناء مركز بيانات بقدرة 200 ميجاواط، ما يمنحه ميزة عملية كخيار قصير الأجل لتلبية احتياجات إكس أيه آي العاجلة.

فمن المتوقع أن تسهم هذه المنشأة في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل روبوت الدردشة الرائد Grok، الذي تطوره الشركة لمنافسة أمثال ChatGPT وClaude.

ومن اللافت أن إكس أيه آي لا تخطط لامتلاك هذه المراكز، بل تسعى بدلا من ذلك لتأجير سعتها. وهو نهج يمكنها من تحقيق توسع سريع ومرن، دون الانخراط في عمليات بناء طويلة أو اجتياز حواجز تنظيمية معقدة.

وهذا النهج تتبناه كذلك شركات مثل أوبن أي آي OpenAI و ميتا Meta التي تضخ بدورها مليارات الدولارات في تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ويتيح التأجير السرعة والمرونة دون عبء تأخير البناء أو العقبات التنظيمية.

استراتيجية ماسك الكبرى في البنية التحتية.. طاقة رخيصة ومصلحة جيوسياسية

ولا تقتصر خطوات ماسك الأخيرة في مجال البنية التحتية على الجانب التقني فحسب، بل هي استراتيجية عالمية أيضا، ووفقا للمصادر، يعكس اختيار المملكة العربية السعودية جهدا أوسع نطاقا لتوطين مراكز البيانات في بيئات توفر الطاقة بأسعار منخفضة، ومساحات جاهزة، ودعم سياسي واضح.

وتأتي هذه التوجهات الدولية في ظل توتر علاقاته داخل الولايات المتحدة، حيث تصادم ماسك مع جهات تشريعية وهيئات رقابية، رغم تقاربه السابق مع دونالد ترامب. وفي المقابل، تبدو السعودية أكثر ترحيبا، خصوصا في ظل رؤيتها الوطنية للهيمنة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

وقد سبق لماسك أن أسس منشأة حوسبة عملاقة في ممفيس، تعرف باسم “كولوسوس”، وألمح إلى نيته إقامة منشأة ثانية قريبا. ويذكر أن إكس أيه آي جمعت مؤخرا تمويلا قدره 10 مليارات دولار مقسوما بين أسهم وديون، ما يشير إلى وفرة رأسمالية تتيح لها تنفيذ هذه التوسعات دون عقبات مالية.

فريق إكس أيه آي.. عقول تنفيذية وطموحات عالمية

وداخليا، يتولى روس نوردين، أحد مؤسسي “إكس أيه آي ” والمدير التنفيذي السابق في تسلا Tesla، قيادة المفاوضات بشأن مراكز البيانات. ويُعتبر نوردين “رجل الصفقات” في “إكس أيه آي xAI”، ويلعب دورا مشابها لما كان يؤديه عمر أفشار في مشاريع ماسك السابقة.

وفي الجانب التقني، يشرف أندريه جاكوبسون، المدير التنفيذي السابق في تسلا Tesla واكس X، على تطوير البنية التحتية للشركة، في سباق محموم لمواكبة منافسيها في سوق الذكاء الاصطناعي المتسارع.

الإمارات وأفريقيا في الحسبان أيضا

ولا تقتصر محادثات إكس أيه آي على السعودية. فقد أكدت المصادر أن الشركة تجري مفاوضات مع شركة الذكاء الاصطناعي “جي 42 G42 في أبوظبي بشأن توسعات مشابهة في الإمارات.

كما تستكشف إكس أيه آي إكس أيه آي فرصا أخرى في دول أفريقية تتمتع بتكاليف طاقة وتشغيل منخفضة، ما يعكس رغبة واضحة في تنويع المواقع والاستفادة من الفرص الجيوتقنية.

اقرأ أيضا.. السعودية تطلق تمويل التعليم لدعم الطلاب حتى 100 ألف ريال.. اعرف الشروط والمميزات

السعودية في الصدارة.. شريك مفضل في سباق الحوسبة الفائقة

ورغم تعدد الخيارات، تبقى المملكة العربية السعودية المرشح الأقوى. فإلى جانب قدراتها المالية، فإن امتلاكها لبنية تحتية متطورة في مجال الرقاقات وطموحاتها التقنية الكبرى يجعلها شريكا مثاليا لـ إكس أيه آي. كما أنها مستعدة لدعم رؤية ماسك طويلة المدى، في إطار شراكة استراتيجية قد تغير ملامح مشهد الذكاء الاصطناعي عالميا.

وحتى الآن، ما تزال المحادثات في مراحلها الأولية، ولم يتم إبرام اتفاقات نهائية. لكن خبراء الصناعة يعتبرون هذه الخطوة مؤشرا قويا على تحول مركز الثقل في سباق الذكاء الاصطناعي من وادي السيليكون إلى الخليج، حيث بدأت السعودية والإمارات تتصدران المشهد بموارد ضخمة ورؤية مستقبلية حاسمة.

زر الذهاب إلى الأعلى