مزرعة وادي الشيح .. قصة نجاح القطاع الخاص بالشراكة مع الجيش في صعيد مصر
في عام 1998، أطلقت الدولة المصرية مشروعا طموحا بهدف إستصلاح وزراعة 10 آلاف فدان بمنطقة وادي الشيح بمركز البداري محافظة أسيوط بصعيد مصر، ولم يري هذا المشروع النور نتيجة عدة معوقات وتحديات كان أبرزها طبيعة التربة، حتي أعاد الجيش المصري مؤخرا إحياء المشروع بالشراكة مع القطاع الخاص.
وبالحديث عن مشكلة طبيعة التربة، كانت تعاني هذه المنطقة من انتشار كثيف للأحجار والصخور، إرتفاع بنسبة الملوحة في التربة، التفاوت الكبير في مناسيب سطح التربة وتماسك طبقاتها، صعوبة صرف المياه الزائدة، وإنتشار الحشائش والنباتات البرية مما أدي لعدم الإستفادة وإستغلال كامل مساحة المزرعة خلال السنوات الماضية.
التعاون مع القطاع الخاص .. كلمة السر في نجاح المشروع
ومن منطلق توجه الدولة بتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، تعاون الجيش المصري ممثلا في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية مع إحدي شركات القطاع الخاص، وهي شركة مودرن فارمينج، للقيام بعمل دراسة شاملة للمشروع مع الإستعانة بالخبرات المحلية والعالمية للتغلب علي هذه التحديات والمعوقات التي أوقفت المشروع لسنوات طويلة.
وبدأت مرحلة إعادة إحياء المشروع بتحريك 52.5 مليون متر٣ من الرمال لتسوية التربة مع تنفيذ اعمال احلال وتجديد التربة بحجم 18.6 مليون متر٣ وإزالة 73.5 مليون متر٣ من الأحجار والصخور.
كما تم تنفيذ معالجات كيميائية وحيوية للتغلب علي ارتفاع نسبة الملوحة في التربة وزيادة خصوبتها والحفاظ علي تماسك طبقاتها مع عمل منظومة صرف زراعي تغطي كامل مساحة المشروع.
ثم أنطلقت عقب ذلك عملية إنشاء البنية التحتية الشاملة للمشروع والتي تضمنت مد ترع بطول 3 كم وخطوط مياه بطول 126 كم، وانشاء شبكة كهرباء بطول 120 كم، بالإضافة لشبكة طرق بطول 85 كم، مع انشاء احواض لتخزين المياه ومحطات لرفع المياه.
تنفيذ المشروع إعتمادا علي التقنيات الحديثة
ونجح القطاع الخاص بالتعاون مع الجيش المصري خلال العامين الماضيين في إستصلاح وزراعة كامل مساحة المشروع وفقا لأحدث نظم الزراعة الرقمية التي تعتمد علي تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والإستشعار عن بعد، حيث تم إستخدام الطائرات المسيرة لأول مرة لرش المبيدات وتنفيذ المسح الرقمي، بجانب معدات زراعية هي الأحدث من نوعها مثل حساسات مياه التربة ومحطات الأرصاد الرقمية.
ويتضمن مشروع مزرعة وادي الشيح زراعة عدد من المحاصيل الاستراتيجية، وعلي رأسها القمح والبنجر والفول، بالإضافة للذرة الصفراء والبرسيم والفاكهة، إلي جانب نباتات الجوجوبا.
وتم إستصلاح وزراعة 2000 فدان قمح بإنتاجية 7500 طن بمعدل 25 أردب للفدان الواحد، بالإضافة لزراعة 3000 فدان من الذرة الصفراء، 1200 فدان ذرة رفعية، و1400 فدان من الشعير، 1120 فدان فاكهة والجوجوبا والخضروات، 1000 فدان من البطاطس، 500 فدان محاصيل علفية، 500 فدان بصل، 300 فدان سمسم، 250 فدان بنجر سكر، 250 فدان فول بلدي، بالإضافة للنباتات الطبية والعطرية المخصصة للتصدير.
كما تمكنت ادارة المشروع لأول مرة من نقل الخبرات الدولية في زراعة محاصيل السمسم والذرة الرفيعة بطريقة مميكنة في المساحات الواسعة، ويجري العمل حاليا علي توسعة مساحة المزرعة من خلال إستصلاح مساحات جديدة من الأراضي الصحراوية المحيطة بها لتصل إجمالي مساحة المزرعة إلي 20 ألف فدان مستقبلا.
وتتميز مزرعة وادي الشيح بتحقيق التكامل والإستدامة وذلك من خلال تحويل المخلفات الزراعية للأعلاف والأسمدة الحيوية، حيث تم نقل احدث تكنولوجيا إنتاج الأسمدة الحيوية المعتمدة علي اكثار الكائنات الدقيقة النافعة بالتربة والتي لها اثر كبير في زيادة خصوبتها، وتم انشاء وحدة انتاجية لها داخل المشروع.
أجهزة ري محوري مصرية الصنع
وتم تجهيز معظم الأراضي الزراعية بالمشروع بعدد 45 جهاز ري محوري (بيفوت) مصري الصنع من إنتاج مصنع شركة السويدي الوطنية للصناعات الهندسية بالعين السخنة، وهي نتاج الشراكة الناجحة بين الدولة ممثلة في الجيش المصري والقطاع الخاص ممثلا في مجموعة السويدي إلكتريك.
والجدير بالذكر أن مزرعة وادي الشيح تعتمد ايضا علي استخدام نظم الري بالتنقيط والري الثابت، بالإضافة للإعتماد علي محطات الارصاد الجوية الأنظمة الذكية في إدارة عمليات الري لتوفير إستهلاك المياه.
إنتاج حيواني وداجني وتصنيع زراعي
ولا يقتصر مشروع مزرعة وادي الشيح علي الإستصلاح والزراعة فقط لكنه يهدف لعمل قيمة مضافة للمحاصيل المنتجة من المزرعة، حيث تم إنشاء مجمع تصنيع زراعي متكامل.
كما يحتوي المشروع علي أنشطة للإنتاج الحيواني والداجني، وتم إستيراد سلالات محسنة من أبقار الألبان واللحوم والتي تمتاز بكفاءتها العالية في الانتاج وتحملها للتغيرات المناخية لإستخدامها في تحسين السلالات المحلية.
ويتم استغلال احواض تخزين المياه لإقامة مزارع سمكية بإنتاجية 200 طن في الدورة والاستفادة من مخلفاتها في تصنيع السماد الحيوي، ويجري العمل حاليا علي الانتهاء من انشاء مزارع الدواجن بطاقة 100 الف طائر في الدورة.
تجدر الإشارة أن مشروع مزرعة وادي الشيح يساهم في توفير أكثر من 500 فرصة عمل مباشرة للشباب من محافظات جنوب الوادي، حيث تم تدريبهم علي احدث النظم الزراعية داخل مركز متكامل للتدريب النظري والعملي.