مصر تستهدف ترسانة الغواصات الصينية الفتاكة من طراز 039A

في الأشهر الأخيرة من عام 2024، دخلت مصر والصين في مفاوضات متقدمة لشراء الغواصة من طراز 039A، وهي غواصات تعمل بالديزل والكهرباء، وتشتهر بنظام دفعها المتطور المستقل عن الهواء.
ووفقًا لتقرير صادر عن موقع “Tactical Report”، فإن هذه المحادثات، التي تتناول أيضًا اتفاقيات نقل التكنولوجيا وتوطينها، تُشير إلى طموح مصر لتعزيز قدراتها البحرية بواحدة من أكثر الغواصات التقليدية تطورًا في العالم.
لماذا تتجه مصر لشراء الغواصات الصينية؟
تُمثل الغواصات الصينية من طراز 039A، المعروفة في أوساط حلف شمال الأطلسي باسم فئة يوان، قفزة تكنولوجية في صناعة الدفاع الصينية، وعامل تغيير محتمل في الاستراتيجية البحرية المصرية، لماذا تنجذب مصر إلى هذا المفترس البحري الصامت، وما الذي يجعل هذه الغواصة بارزة في الحروب البحرية الحديثة؟
الغواصات الصينية طراز 039A ليست مجرد غواصة عادية، صُممت هذه الغواصة من قِبل شركة صناعة بناء السفن الصينية، وبدأ تشغيلها عام 2006، وهي أول غواصة تابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني مُجهزة بنظام دفع مستقل عن الهواء، وهي تقنية تُمكّنها من البقاء مغمورة تحت الماء لأسابيع دون أن تطفو على السطح.

هذه القدرة، بالإضافة إلى بصمتها الصوتية المنخفضة، تجعل من طراز 039A واحدة من أهدأ غواصات الديزل والكهرباء قيد التشغيل، وهي ميزة بالغة الأهمية في التهرب من سونار العدو.
يبلغ طول الغواصة حوالي 77.6 مترًا وعرضها 8.4 مترًا، وتزن حوالي 3600 طن عند غمرها، وفقًا لبيانات من “نيفال نيوز”.
تصميم قادر على التخفي
تصميمها ثنائي الهيكل على شكل دمعة، مستوحى من غواصات “كيلو” الروسية، ولكنه مُحسّن بابتكارات محلية، يُعزز أدائها الهيدروديناميكي وقدرتها على التخفي، الهيكل مطلي ببلاطات عازلة للصدى، تمتص موجات السونار، مما يُقلل من إمكانية اكتشافها.
مروحة واحدة مائلة بسبع شفرات، مصممة لتقليل ضوضاء التجويف، تدفع السفينة إلى سرعات تصل إلى 20 عقدة، بمدى يقارب 12 ألف كيلومتر، وفقًا لما ذكرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست”.
تكمن قوة الغواصة 039A في نظام الدفع المستقل عن الهواء، وهي تقنية تعتمد على محرك ستيرلنغ، طورها معهد أبحاث 711 الصيني بعد عقود من البحث.

تعمل تحت الماء لأسبوعين دون الحاجة للصعود للسطح
على عكس الغواصات التقليدية التي تعمل بالديزل والكهرباء، والتي تتطلب الصعود إلى السطح أو استخدام أنبوب لإعادة شحن البطاريات، يسمح نظام الدفع المستقل عن الهواء للغواصة 039A بالعمل تحت الماء لفترات طويلة، تصل عادةً إلى أسبوعين، دون الحاجة إلى الأكسجين الجوي.
وتُعد هذه القدرة على التحمل ميزة كبيرة في المياه المتنازع عليها، حيث يمكن أن يُعرّض الصعود إلى السطح الغواصة للكشف من قِبل الطائرات أو السفن السطحية.
يتميز تسليح الطراز 039A بالقوة الهائلة نفسها، وهو مُصمم لتعدد الاستخدامات في كل من العمليات الساحلية والمحيطات المفتوحة.
ويمكن لأنابيب الطوربيد الستة المثبتة على مقدمتها، بقطر 533 ملم، إطلاق مجموعة من الأسلحة، بما في ذلك طوربيد Yu-6 الموجه سلكيًا، وهو سلاح ثقيل الوزن مُحسّن للحرب ضد الغواصات بمدى يصل إلى 45 كيلومترًا، وطوربيد Yu-4، وهو طوربيد موجه للأهداف السطحية.
صاروخ كروز أسرع من الصوت بمدى يتجاوز 200 كم
الغواصة مجهزة أيضًا لإطلاق صاروخ كروز YJ-18 المضاد للسفن، وهو سلاح أسرع من الصوت بمدى يتجاوز 200 كيلومتر، وقادر على إيصال رأس حربي يزن 165 كيلوغرامًا إلى السفن السطحية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للغواصة من طراز 039A نشر ألغام بحرية، بسعة حمل من 24 إلى 36 لغمًا عبر أنابيب الطوربيد الخاصة بها، مما يجعلها أداة فعّالة لمنع الوصول إلى الممرات المائية الاستراتيجية.
وفقًا لمقال نُشر عام 2015 في مجلة USNI News، اعتبرت التقييمات الأولية أن الغواصة من طراز 039A هي في المقام الأول منصة صواريخ كروز مضادة للسفن مُحسّنة للعمل في المناطق الساحلية الضحلة، إلا أن قدراتها تطورت منذ ذلك الحين لتشمل مهام المحيطات المفتوحة، مما يعكس قدرتها على التكيف.
ولم يكن اهتمام مصر بالغواصة من طراز 039A مفاجئًا نظرًا للضرورات الاستراتيجية للبلاد، تُشغّل القاهرة أسطولًا من الغواصات متواضعًا ولكنه قادر، بما في ذلك أربع غواصات ألمانية الصنع من طراز 209/1400 وأربع غواصات روسية من فئة كيلو، حصلت عليها الأخيرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
لماذا تريد مصر التسلح بالغواصات؟
ترتبط الاحتياجات التشغيلية للبحرية المصرية ارتباطًا وثيقًا بمصالحها الاقتصادية والأمنية، حيث تُدر قناة السويس، وهي شريان حيوي للتجارة العالمية، مليارات الدولارات من الإيرادات السنوية، بينما تُعدّ حقول الغاز البحرية في البحر الأبيض المتوسط، مثل حقل ظهر، محورا مهما لطموحات مصر في مجال الطاقة.
وتتطلب حماية هذه الأصول وجودًا بحريًا قويًا، قادرًا على مراقبة حركة الملاحة البحرية وردع التهديدات المحتملة، وقدرة الغواصة 039A على التخفي وقوة التحمل تجعل منها مثاليةً للدوريات السرية وجمع المعلومات الاستخبارية والاستجابة السريعة للحوادث البحرية.
تشتهر الغواصة من طراز 209، بتصميمها المدمج الذي يعمل بالديزل والكهرباء، بموثوقيتها ونجاحها في التصدير، حيث بيعت منها أكثر من 60 وحدة حول العالم.
ومع ذلك، فإن نظام الدفع التقليدي يحد من قدرتها على التحمل تحت الماء إلى أيام بدلًا من أسابيع، كما أن تسليحها، على الرغم من فعاليته، يفتقر إلى القدرات الصاروخية المتقدمة للغواصة من طراز 039A.
تتشابه غواصات فئة كيلو، وخاصةً طراز المشروع 636، مع غواصة النوع 039A، بما في ذلك هيكلها على شكل دمعة وبصمة صوتية منخفضة، إلا أنها تعتمد على تقنيات قديمة وتفتقر إلى نظام الدفع الذاتي (AIP).
تسد قدرة الغواصة 039A على البقاء مغمورة تحت الماء لفترة أطول، إلى جانب أجهزة الاستشعار والصواريخ الحديثة، ثغراتٍ حرجة في الترسانة البحرية المصرية، مما يوفر قدرات ردع واستطلاع مُعززة في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
مصر تنوع مصادر تسليحها للحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية
تاريخيًا، نوّعت مصر مورديها للأسلحة للحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية، وهي ممارسة متجذرة في سعيها لتحقيق التوازن في حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وقوى أخرى.
يعكس الاستحواذ على سفن الهجوم البرمائية الفرنسية من طراز ميسترال ومقاتلات ميج 29 الروسية .. وتستمر صفقة الغواصات من طراز A039 المحتملة في هذا الاتجاه، مما يشير إلى استعداد القاهرة لتعميق علاقاتها مع بكين مع الاستفادة من التكنولوجيا الصينية لتحديث قواتها.
الصين حريصة على إتمام الصفقة .. ومصر تتجه للتصنيع المحلي
يعكس سعي الصين للفوز بالصفقة المصرية طموحاتها الأوسع في سوق الأسلحة العالمية. تُعدّ الغواصة من طراز 039A، التي اختارتها باكستان وتايلاند بالفعل في نسختيها المُعدّلتين للتصدير المعروفتين باسم S20 وS26T، حجر الزاوية في استراتيجية الصين لمنافسة مُصدّري الأسلحة التقليديين مثل روسيا وألمانيا.
ويشمل طلب باكستان لثماني غواصات من طراز S20، والذي أُعلن عنه عام 2015، بناءً محليًا في حوض بناء السفن بكراتشي، وهو نموذج قد تسعى مصر إلى محاكاته.
لا تزال المفاوضات بين مصر والصين، كما ورد في تقرير “التقرير التكتيكي” في نوفمبر 2024، جارية، دون تأكيد أي اتفاق نهائي.
ويشير إدراج نقل التكنولوجيا إلى أن مصر لا تسعى فقط إلى المعدات – بل تريد المعرفة اللازمة لاستدامة هذه الغواصات وربما بناؤها محليًا.
اقرأ أيضاً: مع تصاعد الصراع.. هل يمكن استخدام السلاح النووي بين الهند وباكستان؟