من الرسوم الجمركية إلى التفاوض.. حرب ترامب والصين تهدد الأسواق العالمية

أدت الحرب التجارية بين أمريكا والصين لأشهر من التوترات التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم إلى تمهيد الطريق لاجتماع حاسم في لندن، حيث يجتمع ممثلون أمريكيون وصينيون على أمل تخفيف وطأة حرب تجارية أحدثت بالفعل موجات صدمات في الأسواق العالمية وسلاسل التوريد.
وفقا لتقرير التايم، أعادت التحركات الأخيرة للرئيس دونالد ترامب – بما في ذلك فرض رسوم جمركية جديدة شاملة وخطابات عدوانية – إشعال صراع لا يزال يُقلق الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم.
الضربة الأولى: زيادات الرسوم الجمركية وتحولات السياسات
بدأت المرحلة الجديدة من الحرب التجارية في الأول من فبراير، عندما وقّع الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا برفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية بنسبة 10%، مستهدفًا الواردات المرتبطة بأزمة الفنتانيل، ومُنهيًا الإعفاءات الضئيلة للطرود الصينية صغيرة القيمة.
واجهت كندا والمكسيك إجراءات مماثلة. جاء رد الصين الفوري على شكل رسوم جمركية بنسبة 15% على الفحم والغاز الطبيعي المسال الأمريكي، ورسوم جمركية بنسبة 10% على صادرات أمريكية رئيسية مثل النفط الخام والسيارات، والأهم من ذلك، ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة الحيوية لصناعات التكنولوجيا والدفاع.
تصعيد متبادل: الصلب والتكنولوجيا والزراعة
على مدار الأسابيع التالية، اشتدت حدة الحرب التجارية بسرعة. في 10 فبراير، رفع ترامب الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم الصينيين، بينما ردت الصين بفرض رسوم جمركية باهظة على المنتجات الزراعية ومنتجات السيارات الأمريكية.
وسعت إدارة ترامب نطاق هجومها بتوجيهها لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) لتقييد الاستثمار الصيني في قطاعات حساسة مثل التكنولوجيا والطاقة والزراعة.
في أوائل مارس، رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من الواردات الصينية، مما دفع الصين إلى فرض رسوم جمركية جديدة على المنتجات الزراعية الأمريكية وتحدي الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية.
رسوم “يوم التحرير” الجمركية ودورة من الانتقام
بلغ الصراع أوجه في أوائل أبريل، عندما كشف ترامب عن رسوم جمركية شاملة بمناسبة “يوم التحرير”، مما رفع المعدل الفعلي على العديد من السلع الصينية إلى 54%. وسرعان ما ردت الصين برسوم جمركية مماثلة بنسبة 34% على جميع الواردات الأمريكية، وضوابط تصدير جديدة على معادن نادرة إضافية.
اشتد الصراع: فبحلول 8 أبريل، ارتفعت الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية إلى 104%، ورفعت الصين رسومها الجمركية إلى 84%. وفي غضون أيام، رفعت الولايات المتحدة المعدل إلى 145%، مع منحها إعفاءً مؤقتًا من الرسوم الجمركية الشاملة على الدول الأخرى. وفي النهاية، ردت الصين برسوم جمركية مماثلة للولايات المتحدة بنسبة 125%.
محاولات التفاوض: انفراجة مؤقتة وتوترات متجددة
على الرغم من تصاعد حدة التوترات، بذل الجانبان محاولة وجيزة لتهدئة التوتر في مايو. اجتمع مسؤولون أمريكيون وصينيون في جنيف، واتفقوا على خفض الرسوم الجمركية المتبادلة وتعليق الحواجز التجارية الأخرى لمدة 90 يومًا. لكن الهدنة الهشة سرعان ما انهارت.
اتهم الرئيس ترامب الصين بانتهاك الاتفاقية، مشيرًا إلى استمرار القيود على صادرات المعادن النادرة، بينما ردت الصين بأن الإجراءات الأمريكية الجديدة – مثل ضوابط تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي وقيود التأشيرات الجديدة – تنتهك إجماع جنيف.
أقرا أيضا.. المقاتلون الأجانب في سوريا.. من حلفاء متمردين إلى منبوذين بالجيش الجديد
النكسات القانونية والسياسية تُعقّد ساحة المعركة التجارية
في 28 مايو، قضت محكمة التجارة الدولية الأمريكية برفض سلطة ترامب في فرض رسوم جمركية شاملة، مما دفع الإدارة إلى تقديم استئناف فوري، وأضاف الغموض القانوني مزيدًا من عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث بالنسبة للشركات والمستثمرين الذين يعانون بالفعل من شهور من التحولات السياسية.
أشارت مكالمة هاتفية مباشرة نادرة بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في 5 يونيو إلى أن كلا الزعيمين يُدركان المخاطر، ووصف ترامب المحادثة بأنها “جيدة جدًا”، وأعلن عن وفد أمريكي رفيع المستوى لمحادثات لندن. تتعرض الحكومتان لضغوط لتقديم الدعم لاقتصاديهما مع الحفاظ على رأس المال السياسي المحلي.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين: التداعيات الاقتصادية
يحذر محللو التجارة من أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين المطولة كانت لها عواقب وخيمة. إذ تُعاد هيكلة سلاسل التوريد، وترتفع التكاليف على المستهلكين والشركات، وتواجه الصناعات الرئيسية المعتمدة على المعادن النادرة والتكنولوجيا حالة من عدم اليقين المتزايد.
يؤكد الخبراء أن النزاع لا يقتصر على التوازنات التجارية فحسب، بل يتعلق أيضًا بهيمنة التكنولوجيا والأمن القومي وإعادة ترتيب القوى العالمية.
مع بدء الجولة الأخيرة من المفاوضات، يترقب العالم ما إذا كان من الممكن استبدال دورة الرسوم الجمركية والاتهامات المتبادلة بالحوار، أو ما إذا كان التنافس بين الولايات المتحدة والصين سيحدد ملامح العصر القادم للتجارة العالمية.