نفط كردستان يعود إلى أحضان العراق.. اتفاق تاريخي ينهي قطيعة عامين

أعلنت الحكومة العراقية، اليوم الخميس، عن التوصل إلى اتفاق رسمي مع حكومة إقليم كردستان بشأن استئناف صادرات النفط الخام من الإقليم، بعد توقف دام أكثر من عامين على خلفية نزاع قانوني وسياسي محتدم.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة على الحقول النفطية في الإقليم، ما أضاف بعدا أمنيا جديدا للأزمة.
ويقضي الاتفاق بأن تبدأ حكومة الإقليم فورا بتسليم كامل كميات النفط المنتجة – بحد أدنى 230 ألف برميل يوميا – إلى شركة تسويق النفط الوطنية “سومو”، بهدف التصدير عبر ميناء جيهان التركي، بينما ستقوم وزارة المالية الاتحادية بدفع سلفة مالية قدرها 16 دولارا عن كل برميل، سواء عينا أو نقدا، وفقاً لقانون تعديل الموازنة.
كما تم تخصيص 50 ألف برميل يوميا من الإنتاج لأغراض الاستهلاك المحلي داخل الإقليم، مع إمكانية ضم أي زيادات في الإنتاج مستقبلا إلى الكميات المصدرة عبر سومو.
من النزاع إلى التفاهم
وخلف هذا الاتفاق سلسلة من التوترات بين بغداد وأربيل، تفاقمت منذ مارس 2023، بعد أن أصدرت هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح الحكومة العراقية، قضى بعدم قانونية تصدير إقليم كردستان للنفط بشكل منفرد عبر تركيا، وفرض إلزاما على أنقرة بدفع تعويضات لبغداد تجاوزت 1.5 مليار دولار.
ومنذ ذلك الحين، توقفت صادرات الإقليم التي كانت تصل إلى 450 ألف برميل يوميا، مما أدى إلى أزمة مالية في الإقليم، وتفاقم الخلافات السياسية.
وترى أربيل أن الحكومة الاتحادية تحاول الاستحواذ على ثروات الإقليم، في حين تؤكد بغداد على ضرورة أن تكون السلطة السيادية في إدارة الموارد النفطية موحدة ضمن إطار الدولة العراقية.
إنعاش الصادرات وحلحلة أزمة الرواتب
ولا يحمل الاتفاق بعدا فنيا واقتصاديا فقط، بل ينتظر أن يكون له أثر مباشر على الأزمة المالية في إقليم كردستان، لاسيما مسألة رواتب الموظفين، التي طالما تم ربطها بصادرات النفط.
ونص الاتفاق على أن تبدأ وزارة المالية الاتحادية بصرف رواتب موظفي الإقليم لشهر مايو، شرط تسلم الكمية المتفق عليها عبر سومو.
وقد رحبت حكومة الإقليم بالاتفاق، معربة عن أملها أن “تفصل قضية الرواتب والمستحقات، باعتبارها حقوقا مشروعة لشعب كردستان، عن أي خلافات أو مشاكل سياسية”.
وفي تصريحات سابقة، أكد رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، أن تعليق الصادرات كلف كردستان نحو 25 مليار دولار، وهو رقم يعكس مدى الضرر الاقتصادي الذي لحق بالإقليم خلال فترة الانقطاع.
شركات النفط الدولية.. ضغط مستمر لضمان الحقوق
وقد لعبت شركات النفط الدولية العاملة في كردستان دورا غير مباشر في تسريع الوصول إلى الاتفاق، بعدما اشترطت في وقت سابق وجود عقود واضحة تضمن آليات دفع للمستحقات المتأخرة والمستقبلية.
وأقرت الحكومة العراقية في فبراير الماضي تعويضا بمقدار 16 دولارا للبرميل، لتغطية تكاليف الإنتاج والنقل، وهو رقم أعلى من العروض السابقة التي قدمتها بغداد.
ويتوقع أن تسرع هذه التفاهمات استئناف تصدير النفط عبر خط الأنابيب الممتد إلى تركيا، ما سيساهم في تعويض جزء من خسائر العراق في حصته التصديرية من “أوبك”، والتي تقدر بـ300 ألف برميل يوميا، وفقا لتصريحات وزير النفط العراقي حيان عبد الغني.
هجمات مقلقة على منشآت النفط
وفي خلفية الاتفاق، تعرضت منشآت نفطية في إقليم كردستان، بما فيها حقول تشغلها شركات أجنبية، لسلسلة من الهجمات بالطائرات المسيرة، كان آخرها يوم الخميس حين استهدفت طائرة مفخخة حقلا تديره شركة نرويجية في زاخو، بعد هجوم مماثل في اليوم السابق. ولم تتبن أي جهة هذه الهجمات.
ومن جهتها، وعدت بغداد بفتح تحقيقات لكشف ملابسات الهجمات، لكن دون تحديد جدول زمني أو تفاصيل إضافية، وهو ما يعمق المخاوف بشأن مستقبل الاستقرار الأمني في الإقليم.
خطوة للأمام.. ولكن المشهد هش
ويمثل الاتفاق بين بغداد وأربيل اختراقا مهما في ملف شائك استمر لأعوام، إلا أن الخبراء والمراقبين يرون أن تنفيذه العملي سيواجه تحديات كبيرة، ليس فقط من حيث الالتزام الكمي أو المالي، بل أيضا على مستوى الضمانات السياسية والأمنية.
كما أن استمرار الهجمات على البنية التحتية النفطية، والتصعيد الكلامي بين بعض الأطراف، يهددان بإعادة إشعال فتيل الأزمة في أي لحظة. ومع دخول “أوبك+” مرحلة رفع الحصص الإنتاجية، يبقى ملف كردستان أحد أبرز مفاتيح العراق لتعزيز عوائده النفطية في المستقبل القريب.