هولندا تطارد اللاجئين بـ قانون الوشاية.. هل أصبح اللجوء جريمة؟

في تطور تشريعي مثير، صادق مجلس النواب الهولندي، على قانون جديد يثير الكثير من الجدل، حيث يُجرّم الإقامة في البلاد بدون وثائق قانونية، كما يعتبر تقديم أي نوع من المساعدة للأشخاص الذين لا يحملون إقامة شرعية، جريمة يُعاقب عليها القانون.

القرار، الذي لُقّب إعلاميًا بـ”قانون الوشاية”، فتح الباب واسعًا أمام انتقادات حادة من منظمات حقوقية وسياسيين ومؤسسات قانونية، وسط تحذيرات من تداعيات إنسانية وقانونية قد تهزّ صورة هولندا كدولة داعمة لحقوق الإنسان.

ما مضمون قانون الوشاية الجديد في هولندا؟

ينص القانون الذي مرّ بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب على تجريم الإقامة في الأراضي الهولندية دون وثائق رسمية، ويصل إلى حد معاقبة من يُقدّم المساعدة لهؤلاء الأشخاص، سواء كانت تلك المساعدة عبارة عن مأوى، طعام، أو حتى نصيحة قانونية.

القانون جاء ضمن حزمة تشريعية أوسع لتقييد اللجوء والهجرة، ويعدّ سابقة في السياسة الداخلية الهولندية، التي طالما عُرفت بتسامحها مع قضايا اللجوء وحقوق الإنسان.

ويعتبر معارضو القانون أن جوهره يتجاوز مجرد تنظيم الهجرة، ليبلغ مرحلة “تجريم التضامن الإنساني”، من خلال تحميل المواطنين مسؤولية الإبلاغ عن الأشخاص المقيمين بشكل غير قانوني، وهو ما دفع كثيرين لتسميته بـ”قانون الوشاية”، في إشارة إلى دفع المجتمع نحو التجسس على بعضه البعض.

من يقف خلف قانون الوشاية في هولندا؟

القانون طرحه حزب “الحرية” اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، الذي نجح لأول مرة في دخول الائتلاف الحكومي بعد انتخابات 2024.

فيلدرز، المعروف بخطابه المعادي للإسلام والمهاجرين، وصف القانون بأنه “أشد تشريع لجوء في تاريخ هولندا”، مؤكدًا أنه يسعى إلى وضع حد نهائي لما وصفه بـ”فوضى اللجوء”.

ورغم انهيار الائتلاف الحكومي في يونيو الماضي بسبب خلافات حادة حول سياسات اللجوء، تمكن فيلدرز من تمرير القانون داخل البرلمان بمساعدة أحزاب اليمين وشركائه السابقين.

ويرى مراقبون أن تمرير القانون يأتي في سياق حملة انتخابية مبكرة، يسعى خلالها حزب الحرية إلى تعزيز شعبيته قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

معارضة شعبية ومؤسسية واسعة

لم يمر القانون دون مقاومة. فقد أعلنت مدن هولندية رئيسية مثل أمستردام ولاهاي وغرونينغن رفضها التام لتطبيق القانون، مؤكدة أنها ستواصل تقديم الدعم الإنساني للمحتاجين، بصرف النظر عن وضعهم القانوني.

كما عبّرت منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها “الهلال الأحمر الهولندي” و”VluchtelingenWerk”، عن صدمتها من التشريع، معتبرة أنه ينتهك المبادئ الإنسانية، ويقوّض الثقة في المؤسسات العامة.

حتى داخل البرلمان نفسه، انسحب حزب “النداء المسيحي الديمقراطي” من دعم القانون في اللحظات الأخيرة، وعبّر قادته عن رفضهم للبند الخاص بتجريم المساعدة، معتبرين أنه بند “غير دستوري، ويصعب تطبيقه عمليًا”.

مصير القانون في مجلس الشيوخ

رغم تصويت مجلس النواب لصالح القانون، إلا أنه لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، إذ يتعين عرضه على مجلس الشيوخ للموافقة النهائية. ويتوقع أن تُناقش الحزمة التشريعية في الخريف المقبل، وسط حالة من الترقب والقلق.

وبحسب محللين، فإن موقف الأحزاب الليبرالية والمسيحية المعتدلة في مجلس الشيوخ سيكون حاسمًا، وقد يُعيد فتح النقاش حول التعديلات أو حتى إسقاط القانون بأكمله.

تراجع أعداد اللاجئين في هولندا

بحسب تقارير يأتي هذا التشريع في وقت شهدت فيه هولندا تراجعًا ملحوظًا في عدد طالبي اللجوء خلال عام 2025، إذ انخفضت الطلبات بنسبة 50% في الربع الأول مقارنة بعام 2024، الذي سجل دخول 32 ألف طالب لجوء، انضم إليهم حوالي 10 آلاف فرد عبر لم الشمل.

وعلى الرغم من هذا التراجع، لا يزال اليمين المتطرف يرفع لواء مكافحة الهجرة، مستثمرًا المخاوف الشعبية من الضغوط الاقتصادية والثقافية، ومحاولًا تحويل ملف اللجوء إلى ورقة انتخابية رابحة.

هل تتغيّر صورة هولندا بعد قانون الوشاية باللاجئين؟

لطالما اعتُبرت هولندا نموذجًا أوروبيًا في احتضان اللاجئين والدفاع عن حقوق الإنسان، لكن القانون الجديد، إذا أُقرّ بشكل نهائي، قد يشكل نقطة تحول كبيرة في سياستها الداخلية. فتجريم المساعدة الإنسانية يفتح الباب أمام ممارسات خطرة، ويُهدد بإدخال الآلاف في دائرة من الخوف والاختفاء، ويقوّض ثقة المجتمع في مؤسساته.

ويخشى حقوقيون من أن يكون هذا القانون مقدّمة لمزيد من التشريعات المتشددة في أوروبا، خصوصًا في ظل صعود اليمين المتطرف في أكثر من عاصمة أوروبية، وتحول ملف اللاجئين إلى مادة استقطاب سياسي وشعبي.

اقرا أيضا.. من المهجر إلى الوطن.. كيف يقود اللاجئون السوريون في ألمانيا مبادرات الإعمار بدمشق؟

زر الذهاب إلى الأعلى