وادي الحيتان في مصر.. كشف النقاب عن انتقال السحلية الملكية من الأرض إلى البحر
في قلب الصحراء الغربية في مصر، جنوب غرب القاهرة، يقع وادي الحيتان، وهو موقع تراث عالمي رائع لليونسكو يقدم رؤى ثاقبة حول أحد أعظم ألغاز التطور
القاهرة (خاص عن مصر)- في قلب الصحراء الغربية في مصر، جنوب غرب القاهرة، يقع وادي الحيتان، وهو موقع تراث عالمي رائع لليونسكو يقدم رؤى ثاقبة حول أحد أعظم ألغاز التطور، وفقا لتقرير نشره موقع ناشونال جيوجرافيك الفرنسي.
تُعرف هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 195 كيلومترًا مربعًا باسم وادي الحيتان، وهي موطن للكنوز الأحفورية التي سبقت الآثار الفرعونية الشهيرة في مصر، حيث تعود بالزائرين إلى ملايين السنين عندما كانت المنطقة مغمورة تحت محيط شاسع.
صحراء متجمدة في الزمن
قد يبدو وادي الحيتان، الخالي من أي نباتات أو مياه، مهجورًا، لكن هذه المناظر الطبيعية القاحلة تحكي قصة قديمة عن الحياة البحرية والتحول التطوري من الأرض إلى البحر. تتناقض التكوينات الحجرية الرملية المنحوتة بفعل الرياح وصمت الوادي بشكل صارخ مع ضوضاء القاهرة، مما يلف الزوار في جو خالد.
تشير حفريات الرخويات وأسنان أسماك القرش والنوموليتات الغريبة التي تشبه الأصداف، المطمورة في الرمال، إلى ماضي حيث كانت مصر تقع تحت محيط تيثيس.
أقرا أيضا.. هيئة قناة السويس ترد على عبور سفن حربية للمجرى الملاحي
حفريات لغز التطور
حدد علماء الحفريات أكثر من ألف حفرية حوت في وادي الحيتان، مما يجعلها واحدة من أهم المواقع الحفرية في العالم. هياكل باسيلوسوروس ودورودون، وهي أنواع قديمة من الحيتان يعود تاريخها إلى 37-40 مليون سنة، ممتدة عبر رمال الصحراء. بعض الحفريات ضخمة، مثل هيكل باسيلوسوروس مع فقرات بحجم كتل الخرسانة، تمتد على طول الصحراء مثل بقايا وحش قديم.
أوضح الدكتور هشام سلام، عالم الحفريات الرائد في وادي الحيتان، أن العلماء الأوائل صنفوا باسيلوسوروس خطأً على أنه زاحف بحري عملاق. “لقد أطلق عليه اسم “السحلية الملكية” ثم تم التعرف عليه لاحقًا على أنه حوت”، كما يقول. ويؤكد هذا الخطأ الأولي على مساهمة الموقع في فهم تطور الثدييات البحرية.
كشف النقاب عن الانتقال من الأرض إلى البحر
من أكثر الجوانب الرائعة في هذه الحفريات وجود أطراف أثرية في بعض العينات التي تم اكتشافها في عام 1989. وعلى الرغم من حجمها الهش مقارنة بالهياكل العظمية الضخمة التي تصاحبها، فإن هذه الأطراف تقدم دليلاً حاسمًا على أصل الحيتان البري.
لا تؤدي الأرجل الخلفية الصغيرة، المجهزة بعظام الفخذ والساق والكاحل، أي وظيفة للحركة ولكنها تثبت فرضية العلماء بأن الحيتان كانت تعيش ذات يوم على الأرض قبل التكيف مع المحيط. يلاحظ سلام، مسلطًا الضوء على كيف تؤكد مثل هذه الاكتشافات النظريات التطورية التي نوقشت منذ فترة طويلة في الدوائر العلمية، “تكشف هذه البقايا عن التحول المذهل من مخلوقات تعيش على الأرض إلى عمالقة المحيط”.
الحفاظ على إرث قديم
يمكن لزوار وادي الحيتان استكشاف متحف تحت الأرض يعرض الحفريات ومجموعة من الهياكل العظمية. وتؤكد جهود الحفاظ في هذه المنطقة على هشاشة وأهمية هذه الاكتشافات. ويؤكد سلام على ضرورة توخي الحذر عند استكشاف المنطقة: “توجد الحفريات في كل مكان، وكل خطوة قد تؤدي إلى اكتشاف رائد”.
يظل هذا الموقع المنعزل نافذة أقل شهرة ولكنها لا تقدر بثمن على تاريخ الأرض، حيث يوفر اتصالاً ملموسًا بالرحلة التطورية التي قادت الثدييات البرية إلى البحر. وبينما تحافظ مصر على وادي الحيتان، فإنها تحافظ على قصة ليس فقط عن ماضيها ولكن أيضًا عن رحلة الحياة على الأرض.