أزمة الأسلحة المتنامية في أوكرانيا.. هل يشكل فائضها تهديدًا عالميًا بعد الحرب؟

مع استمرار أوكرانيا في معركتها ضد القوات الروسية، أصبحت البلاد، بؤرةً لانتشار الأسلحة، في ظل الأسلحة المتنامية في أوكرانيا وسياسة تراخي في حيازتها وتدفق المعدات العسكرية من مصادر متعددة.

وفقا لتقرير صنداي تايمز، هذا الوضع، إلى جانب تاريخ البلاد في تراخي تنظيم الأسلحة النارية، يُشكل مخاطر جسيمة على أوكرانيا والعالم على حد سواء بمجرد انتهاء الصراع.

بينما يراقب تجار الأسلحة الوضع عن كثب، يُطرح السؤال: ماذا سيحدث لترسانة الأسلحة الهائلة التي تتدفق إلى أوكرانيا، وكيف يمكن أن يتردد صدى فائض الأسلحة بعد الحرب عالميًا؟

تطور حيازة الأسلحة في أوكرانيا

بدأت رحلة أوكرانيا نحو انتشار حيازة الأسلحة على نطاق واسع قبل وقت طويل من الغزو الروسي الشامل عام 2022. ففي عام 2009، دعا جورجي أوتشايكين، رئيس جمعية مالكي الأسلحة الأوكرانية (UGOA)، إلى تعديلات دستورية تضمن حق المواطنين في حمل السلاح.

ما بدأ كفكرة هامشية اكتسب زخمًا متزايدًا بين الأوكرانيين، لا سيما بعد أن شهدوا الدمار الذي أحدثه الغزو الروسي وعجز قوات الأمن عن حماية المدنيين بفعالية.

أحدثت الحرب تحولًا جذريًا في المواقف العامة تجاه الأسلحة النارية. فبينما كان معظم الأوكرانيين يعارضون سابقًا تحرير قوانين الأسلحة، تشير الاستطلاعات التي أُجريت منذ عام 2022 إلى دعم ساحق لامتلاك المدنيين للأسلحة.

كما يوضح أوتشايكين: “لقد اتسعت مداركنا… بعد أن رأينا ما حدث للمدنيين العُزّل في بوتشا وإيربين، أصبحت الأولوية لحماية أنفسنا”.

الوضع الراهن للوائح الأسلحة النارية

قبل الحرب، كانت أوكرانيا تُطبق أحد أقل لوائح الأسلحة النارية تقييدًا في أوروبا. أصدرت الحكومة مرسومًا في عام 1998 أرسى ضوابط أساسية، لكن قوانين الأسلحة النارية ظلت مُربكة ومتضاربة.

كان بإمكان المواطنين الأوكرانيين شراء بنادق الصيد والبنادق نصف الآلية، وحتى بنادق القنص القوية، بشكل قانوني، شريطة الخضوع لفحص أمني ودفع رسوم تسجيل تبلغ حوالي 930 جنيهًا إسترلينيًا.

مع ذلك، لا يوجد في البلاد نظام رسمي لتتبع الأسلحة اليدوية الممنوحة للخدمة العسكرية، مما يترك مجالًا كبيرًا لإساءة الاستخدام المحتملة.

في عام 2022، أدى الغزو إلى تحول جذري في السياسة. وكما أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي: “سنمنح الأسلحة لكل من يريد الدفاع عن البلاد”. في أعقاب الغزو مباشرة، وزعت شاحنات حكومية آلاف البنادق الهجومية والصواريخ على المتطوعين.

نتيجة لذلك، أصبحت أوكرانيا أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامي 2020 و2024، حيث تدفقت ملايين الأسلحة إلى البلاد من مصادر متنوعة، بما في ذلك الحلفاء الغربيون، وحتى “أسلحة الغنائم” التي تم الاستيلاء عليها من الغزاة الروس.

اقرأ أيضًا: إسرائيل تقصف جنوب لبنان وسط دعوات لوقف “حرب لا تنتهي”

العواقب.. مجتمع كلاشينكوف؟

في حين أن القوات المسلحة الأوكرانية منخرطة بنشاط في القتال، فإن العواقب طويلة المدى لتدفق الأسلحة قد تخلق مشاكل كبيرة.

يحذر الخبراء من أنه بدون برنامج شامل لإعادة شراء الأسلحة أو مبادرات صارمة لنزع السلاح بعد الحرب، قد تواجه أوكرانيا وضعًا تظل فيه الأسلحة في متناول المدنيين وعصابات الجريمة المنظمة على نطاق واسع.

وفقًا للسلطات الأوكرانية، يُقدّر عدد الأسلحة التي بحوزة الأفراد حاليًا بما يتراوح بين مليون وخمسة ملايين قطعة، لكن العدد الحقيقي لا يزال مجهولًا.

يُعرب فيدير سيدوروك، المنسق الميداني للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية (GI-TOC)، عن قلقه إزاء الانتشار غير المُقيّد لهذه الأسلحة.

يتساءل: “ماذا سيحدث بعد وقف إطلاق النار؟”. “لا يوجد قانون يُنظّم الأسلحة. ولا توجد سياسة أوكرانية لتسريح المحاربين القدامى ونزع سلاحهم وإعادة دمجهم في المجتمع”.

بدون ضوابط صارمة، قد تتبع أوكرانيا مسارًا مُشابهًا لحقبة ما بعد يوغوسلافيا، حيث غذّت مخزونات الأسلحة من البلقان الأنشطة الإجرامية في جميع أنحاء أوروبا لسنوات.

دور تجار ومُورّدي الأسلحة

يشهد سوق الأسلحة في أوكرانيا ازدهارًا كبيرًا. ففي متجر أسلحة “إنساين” في كييف، يزداد الطلب على الأسلحة النارية العسكرية مثل بنادق AR-15 وبنادق الكلاشينكوف وبنادق القنص، وخاصةً من الجنود الذين يبحثون عن معدات أفضل مما تستطيع الدولة أو حلفاؤها توفيره.

يناقش صاحب المتجر، دميترو كورشيكوف، كيف أصبحت القوات الأوكرانية تعتمد على الموردين الأمريكيين، الذين يوفرون أسلحة متطورة لا تضاهيها الشركات المصنعة الأوروبية.

يخشى كورشيكوف من أن يؤدي تغيير السياسة الأمريكية إلى تعريض أوكرانيا للخطر، مما يُبرز هشاشة اعتمادها على الأسلحة الأجنبية.

في حين يشهد تجار الأسلحة الأوكرانيون ازدهارًا في أعمالهم، إلا أنهم قلقون أيضًا من عواقب ذلك. ففي ظل البنية التحتية المتوترة أصلًا وغياب برنامج رسمي لإعادة شراء الأسلحة، ينتشر تكديس الأسلحة غير القانونية وغير المسجلة على نطاق واسع.

يخزن المدنيون هذه الترسانات المخفية – بنادق وقاذفات قنابل يدوية وحتى دبابات – تحسبًا لمزيد من الصراع، أو في بعض الحالات، خوفًا من مستقبل ينعدم فيه القانون. وهذا يخلق بيئة غير مستقرة قد تكون لها عواقب وخيمة على استقرار البلاد في المستقبل.

التداعيات العالمية لتجارة الأسلحة بعد الحرب

يُشكّل احتمال انتشار هذه الأسلحة خارج حدود أوكرانيا مصدر القلق الأبرز لخبراء مثل سيدوروك وبريان لي. فمع خروج أوكرانيا من رماد الصراع بعد الحرب، ثمة خطر حقيقي يتمثل في تسرب فائض الأسلحة إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.

قد يكون لهذا عواقب وخيمة على الأمن العالمي، إذ قد يستغل المهربون وعصابات الجريمة المنظمة الفوضى لتهريب الأسلحة إلى مناطق الصراع.

في عملية أمنية حديثة، كشفت السلطات الأوكرانية عن ترسانة أسلحة في دنيبرو، تضم بنادق وقاذفات قنابل يدوية وملايين الدولارات نقدًا، مما يُشير إلى أن تجارة الأسلحة جارية بالفعل.

يُشير سيدوروك إلى أنه في حين أن غالبية المخزونات قد يحتفظ بها الأوكرانيون لأغراض دفاعية مستقبلية، إلا أن بعض هذه الأسلحة قد تستحوذ عليها منظمات إجرامية، مما يُفاقم زعزعة استقرار المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى