أزمة جديدة بين الجزائر ومالي.. ما علاقة المتمردين الطوارق؟
تشهد العلاقات بين الجزائر ومالي توترًا متجددًا، بعد إعلان باماكو عن إحباط عملية تهريب ضخمة لشحنة أسلحة ومعدات عسكرية قالت إنها كانت في طريقها إلى تنظيم إرهابي ينشط داخل الأراضي المالية.
وبينما لم تسمِّ السلطات المالية الدولة المتهمة، إلا أن الإشارات الضمنية وجّهت أصابع الاتهام إلى الجزائر، في سياق أزمة معقدة تتداخل فيها الحسابات الأمنية والعرقية والإقليمية.
بيان عسكري مالي يلوّح بتورط الجزائر
بحسب تقارير فإن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في مالي كشفت، في بيان رسمي، عن ضبط شحنة كبيرة من المعدات ذات الطابع العسكري واللوجستي، بينها مدافع هوائية وتوربينات وأزياء وأحذية عسكرية وشارات تحمل اسم تنظيم مسلح.
البيان أشار إلى أن الشحنة صُنعت في دولة آسيوية وشُحنت عبر إحدى دول الجوار، دون تحديد اسمها، لكنه أرفق ذلك بإشارات سياسية اعتبرها مراقبون تلميحًا إلى الجزائر.
وجاء في البيان أن العملية جاءت بتنسيق استخباراتي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ضمن “تحالف دول الساحل”، بدعم من دولة شريكة في المنطقة، ما اعتُبر خطوة جديدة ضمن سياسة الأمن الجماعي التي تنتهجها باماكو بعيدا عن الوساطة الجزائرية التقليدية.
خلفية التوتر بين الجزائر ومالي
رغم أن الجزائر لعبت، منذ سنوات، دور الوسيط في الأزمة المالية، واحتضنت اتفاق الجزائر عام 2015 بين الحكومة المالية وحركات الطوارق المسلحة، إلا أن الشكوك بشأن حيادها ظلّت حاضرة.
تقارير فرنسية ومالية سابقة اتهمت الجزائر بتقديم أشكال متعددة من الدعم للحركات الطوارقية الانفصالية، سواء عبر تسهيلات لوجستية، أو غض الطرف عن تحركات عبر الحدود، أو حتى احتضان بعض قادتها.
وتُعد منطقة شمال مالي موطناً لحركات الطوارق التي تطالب بانفصال إقليم “أزواد”، وتعتبر الجزائر من أبرز الدول المجاورة المؤثرة في هذا الملف، خاصة أنها تحتضن أقلية طوارقية داخل أراضيها، وتملك حدودًا ممتدة مع مالي.
مخاوف مالية من “دور مزدوج”
مالي، التي تخوض صراعًا مسلحًا منذ سنوات مع الحركات الانفصالية والتنظيمات المتطرفة في شمالها، تتهم الجزائر بلعب دور مزدوج، عبر الظهور كوسيط علني، في وقت يُشتبه بأنها تحتفظ بخيوط التأثير على الفصائل الطوارقية المسلحة.
ويعزز هذا الاتهام السماح لقادة من “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” وكيانات أخرى بالتواجد في الجزائر والمشاركة في مؤتمرات أو مفاوضات برعايتها.
وفي تطور سابق، كانت الحكومة الانتقالية في مالي قد استدعت السفير الجزائري ووجهت احتجاجًا رسميًا على ما وصفته بـ”تدخلات غير مقبولة في الشأن الداخلي المالي”.
أمن حدودي أم نفوذ إقليمي؟
يذهب محللون إلى أن الجزائر، التي ترى في منطقة الساحل امتدادًا لأمنها القومي، تحاول من خلال علاقاتها مع الحركات الطوارقية أن تضمن استقرار حدودها الجنوبية، وتمنع تصدير النزاعات إلى أراضيها، خصوصًا في ظل هشاشة بعض المناطق الجنوبية ذات الغالبية الطوارقية.
كما تحرص الجزائر على البقاء كوسيط أول في أزمات الساحل، وسط منافسة متصاعدة من دول مثل المغرب وفرنسا وروسيا، التي بدأت بتعزيز حضورها العسكري والسياسي في مالي عبر اتفاقيات تعاون جديدة.
تحالف الساحل يعيد رسم خرائط النفوذ
وفق مراقبون فإن التحالف القائم بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذي يتبنى خطابًا سياديًا معاديًا لفرنسا وحذرًا من النفوذ الجزائري، يبدو أنه يسعى لعزل الجزائر عن ملفات الأمن الإقليمي، وتأسيس بنية أمنية ذاتية لا تعتمد على الأطراف التقليدية.
وتحمل عملية إحباط تهريب الأسلحة الأخيرة بُعدًا رمزيًا في هذا السياق، إذ أعلنت مالي نجاحها بفضل “التنسيق بين دول الساحل”، في إشارة إلى فاعلية التحالف بعيدًا عن الدور الجزائري.
اتهامات خطيرة ومخاطر إقليمية
تكمن خطورة الاتهامات الأخيرة في أنها لا تمس العلاقة الثنائية بين الجزائر ومالي فقط، بل تُهدد بتقويض جهود محاربة الإرهاب في الساحل، إذ إن زعزعة ثقة دول الجوار ببعضها البعض تعني ضعف التنسيق الأمني في مواجهة جماعات مثل “القاعدة” و”داعش”.
وتخشى الجزائر، من جهتها، من انتقال التوتر إلى داخل حدودها، حيث توجد مناطق حساسة طوارقية يمكن أن تتأثر بموجة انفصالية جديدة، خاصة إذا تدهور الوضع في شمال مالي مجددًا.
أزمة عابرة أم بداية قطيعة جديدة؟
التوتر الحالي بين الجزائر ومالي لا يبدو مجرد حادث عابر، بل نتيجة تراكمات سياسية وأمنية استمرت لسنوات، في ظل تشكك متبادل في النوايا والأدوار.
وإن لم تبادر الجزائر إلى تقديم تفسيرات واضحة أو انتهاج مقاربة أكثر شفافية، فإن علاقاتها مع مالي قد تدخل مرحلة جديدة من القطيعة، قد تمتد آثارها إلى عمق المنطقة المتفجرة أصلاً.
اقرأ أيضا.. رد حماس وصل.. هل اقتربت ساعة الهدنة في غزة؟