أزمة مالية وديون قياسية تهدد اقتصاد العراق.. ماذا يحدث في بلاد الرافدين؟

يواجه العراق أزمة مالية غير مسبوقة فاقمتها زيادة الديون وبلوغ العجز المالي مستويات قياسية، في ظل تراجع الثقة بالإدارة المالية الحكومية وغياب استراتيجية واضحة لمعالجة التحديات الهيكلية التي تعصف باقتصاد يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط.
ديون ضخمة في العراق
كشف النائب في البرلمان العراقي رائد المالكي أن ديون البلاد تجاوزت 130 مليار دولار، مؤكدًا أن الإيرادات الحالية لا تكفي لتأمين رواتب الموظفين، في ظل غياب قانون الموازنة للعام الجاري.
وقال المالكي، في تصريحات صحفية، إن وزارة المالية لم تُعد جداول الموازنة حتى الآن، بسبب رفض محافظ البنك المركزي العراقي تفعيل آليات الاقتراض لسد العجز.
وأوضح المالكي أن وزيرة المالية طيف سامي أبلغته خلال اجتماع رسمي بأنها لا تنوي تقديم جداول الموازنة، ما يعكس حجم الارتباك في الإدارة المالية، بحسب تعبيره.
قطع رواتب كردستان ووقف العلاوات
وأضاف النائب المالكي أن وزارة المالية أوقفت تحويلات الرواتب المخصصة لموظفي إقليم كردستان، بسبب “استيفاء استحقاقات الإقليم المالية وعدم تسديد أربيل للإيرادات المتفق عليها”.
كما أشار إلى أن الوزيرة ترفض صرف العلاوات والترفيعات لموظفي الوزارات الاتحادية قبل إقرار الموازنة.
نفقات مرتفعة تثير الجدل في العراق
وبحسب تقارير فقد أثارت النفقات الحكومية خلال الأسابيع الماضية انتقادات واسعة، خاصة في ما يتعلق بالمبالغ التي صرفت لاستضافة القمة العربية في بغداد، والاعتمادات المخصصة لخطة “بغداد أجمل”، والتي يُقدر أنها تتطلب نحو 160 مليار دينار عراقي في مرحلتها الثانية فقط، دون احتساب المصاريف المرتبطة بالقمّة والتبرعات التي وُزعت.
واعتبر المالكي أن هذه الإنفاقات غير المبررة تندرج ضمن “قرارات غير مسؤولة”، تهدف إلى الترويج السياسي، قائلًا: “كل ذلك من أجل أن يقال إن حكومة فلان تشتغل”.
ديون بالمليارات لـ المقاولين في العراق
وحذر المالكي من أن مئات مشاريع البنية التحتية غارقة في الديون، بينما بلغت مستحقات المقاولين غير المسددة تريليونات الدنانير، ما يهدد بتكرار سيناريو 2016، الذي شهد حينها عجزًا ماليًا بلغ 30 تريليون دينار.
واتهم المالكي حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بـ”الاستيلاء” على مستحقات الموظفين من علاوات وزيادات، وسحب أموال الأمانات، وبيع بعض الأصول العامة لتمويل ما وصفها بأنها مشاريع “غير ضرورية”.
اقتصاد ريعي هش يهدد العراق
وبحسب وسائل إعلام، تعتمد المالية العامة في العراق بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية التي تمثل أكثر من 90% من دخل الدولة، ما يجعل البلاد عرضة لتقلبات السوق العالمية وأسعار الخام. ومع التراجع المتوقع في أسعار النفط عالميًا، تتزايد المخاوف من تفاقم الأزمة وتعميق العجز.
ويعاني الاقتصاد العراقي من ضعف شديد في القطاعات الإنتاجية، لاسيما الصناعة والزراعة، ما يؤدي إلى اعتماد مفرط على الاستيراد واستنزاف العملة الأجنبية، فضلاً عن تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الدينار مقابل الدولار.
فساد وسوء إدارة في العراق
يرى خبراء أن الفساد المالي وسوء إدارة الموارد يمثلان أبرز معوقات التعافي الاقتصادي في العراق، حيث يُهدَر جزء كبير من الأموال العامة بسبب التعاقدات المشبوهة، والتوظيف السياسي للمشاريع التنموية، إضافة إلى ضعف الرقابة والمحاسبة.
وتؤكد تقارير رقابية محلية ودولية أن مؤسسات الدولة لا تزال عاجزة عن ضبط الإنفاق أو تحصيل الموارد غير النفطية بشكل فعال، فيما تستمر الحكومات المتعاقبة في تبني سياسات توسعية دون غطاء مالي حقيقي.
دعوات للإصلاح الشامل
وتتصاعد الدعوات من داخل البرلمان ومن الأوساط الاقتصادية إلى إطلاق إصلاحات شاملة، تشمل تنويع مصادر الدخل الوطني، وتطوير القطاعات الإنتاجية، وتحسين كفاءة الإنفاق، إضافة إلى إصلاح القطاع المصرفي، وفرض رقابة صارمة على الصرف الحكومي، والحد من التوظيف السياسي للبرامج التنموية.
كما يُطالب نواب وخبراء بضرورة اعتماد سياسة تقشف مرحلية مدروسة، وتجميد المشاريع غير الضرورية، حتى استعادة التوازن المالي وتحقيق استدامة في الإنفاق، دون المساس برواتب الموظفين أو الخدمات الأساسية للمواطنين.
اقرأ أيضا
حبل مشنقة تحت قبة البرلمان التركي.. ما علاقة حزب العمال الكردستاني؟