أسباب وتداعيات إرسال أمريكا لحاملتي طائرات قرب اليمن – تحليل عسكري

شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا في الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد تصاعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر.

على إثر ذلك، عزَّزت الولايات المتحدة وجودها العسكري بإرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة، وهما “هاري إس. ترومان” و”كارل فينسون”. هذا التحرك أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءه، ومدى نجاح الاستراتيجية الأمريكية في احتواء الوضع، فضلًا عن تأثيره على إيران والتوازنات الإقليمية.

ما هي الأسباب والدوافع وراء نشر أمريكا حاملتي الطائرات؟

جاءت العوامل التي أعلنتها واشنطن لمواجهة التهديدات الحوثية المتصاعدة فمنذ منذ نهاية عام 2023، صعد الحوثيون عملياتهم ضد السفن في البحر الأحمر، باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية والمضادة للسفن. هذه الهجمات استهدفت بالأساس السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة؛ ما دفع واشنطن إلى شن ضربات جوية على مواقع للحوثيين. ومع ذلك، استمر الحوثيون في تنفيذ عملياتهم، مما أجبر القيادة العسكرية الأمريكية على اتخاذ خطوات أكثر قوة، مثل نشر حاملات الطائرات لزيادة القدرة على الردع والرد السريع.

حماية خطوط الملاحة البحرية

يعد البحر الأحمر وخليج عدن من أهم الممرات الملاحية العالمية، حيث تمر بهما نسبة كبيرة من التجارة الدولية، بما في ذلك النفط والغاز. هجمات الحوثيين أدت إلى اضطراب حركة الشحن وزيادة تكلفة التأمين على السفن، وهو ما يهدد الاقتصاد العالمي. لذلك، تسعى الولايات المتحدة، عبر تعزيز وجودها العسكري، إلى تأمين هذا الممر الاستراتيجي ومنع الحوثيين من تحويل البحر الأحمر إلى منطقة غير آمنة للملاحة.

تعزيز الردع ضد إيران

على الرغم من أن الضربات الأمريكية استهدفت الحوثيين، فإن الهدف الأوسع يتمثل في توجيه رسالة ردع قوية إلى إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين.

تعتمد إيران على تكتيك الحرب بالوكالة في المنطقة، عبر دعم جماعات مسلحة مثل الحوثيين وحزب الله والميليشيات العراقية، وهي استراتيجيتها الرئيسية لمواجهة النفوذ الأمريكي. نشر حاملتي الطائرات يعزز من قدرة الولايات المتحدة على الردع، ويرسل تحذيرًا صريحًا لطهران بأن أي تصعيد قد يقابل برد عسكري قوي.

تصاعد الأحداث بين واشنطن وطهران قد يؤدي إلى حرب إقليمية في المنطقة

الاستعداد لأي مواجهة مستقبلية

مع استمرار التوترات بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، واحتمالية حدوث تصعيد عسكري، فإن وجود حاملتي الطائرات يمنح واشنطن ميزة استراتيجية. فهذه القوة البحرية تتيح للولايات المتحدة القدرة على تنفيذ عمليات هجومية أو ردعية في حال اندلاع نزاع أوسع في المنطقة.

هل تعكس هذه التحركات ضعف السيطرة الأمريكية على الوضع؟

يبدو أن نشر حاملتي الطائرات يعكس تحديًا تواجهه الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في اليمن. فعلى الرغم من تنفيذ ضربات جوية مستمرة، لم ينجح التحالف الدولي بقيادة واشنطن في إيقاف الهجمات الحوثية تمامًا. يشير هذا إلى أن الحوثيين أصبحوا أكثر تطورًا في استخدام التكنولوجيا العسكرية، لا سيما في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.

ومع ذلك، لا يعني ذلك أن واشنطن غير قادرة على السيطرة على الوضع، بل إن الاستراتيجية الأمريكية تعتمد على التصعيد التدريجي، وتجنب الانجرار إلى حرب واسعة قد تستنزف مواردها في المنطقة. لذا، فإن نشر حاملتي الطائرات ليس مجرد رد فعل، بل هو خطوة محسوبة لتعزيز الردع دون الدخول في مواجهة شاملة.

أمريكا حاملتي طائرات
ما السبب الحقيقي لإرسال الولايات المتحدة حاملتي الطائرات للبحر الأحمر؟

هل يمثل هجوم الحوثي تهديداً لحاملة الطائرات؟

أعلنت جماعة الحوثي في مارس 2025 أنها نفذت هجومًا على حاملة الطائرات الأمريكية باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة .. وقد نفت وزارة الدفاع الأمريكية هذه المزاعم في البداية، ولكنها اعترفت بحدوث الهجوم بعد ذلك، مؤكدةً أن الحاملة لم تتعرض لأي أضرار، وأن جميع الهجمات التي استهدفتها تم اعتراضها بنجاح.

ولكن الهجوم يشير إلى أن الحوثيين يطمحون إلى فرض معادلة جديدة عبر تهديد الأصول العسكرية الأمريكية مباشرةً، وهو ما يعكس تطور قدراتهم وإصرارهم على مواصلة المواجهة.

هل يشكل هذا التحرك تهديدًا مباشرًا لإيران؟

يجيب عن هذا السؤال اللواء أ.ح د. محمد الشهاوي الخبير العسكري ومستشار كلية القادة والأركان وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية ويؤكد لـ “خاص عن مصر” أن نشر حاملتي الطائرات يحمل رسالة قوية لإيران بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي تصعيد في المنطقة .. فمنذ اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، عام 2020، أصبحت العلاقات الإيرانية أكثر توتراً وعدوانية وشهدت تصعيداً من جانب إيران معتمدة على وكلائها الإقليميين مثل جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان.

وأشار عضو المجلس المصري للشئون الخارجية إلى أنه في هذا السياق، فإن أي هجوم مباشر من قبل الحوثيين على حاملات الطائرات قد يُنظر إليه على أنه جزء من استراتيجية إيرانية أوسع لمواجهة الضغط الأمريكي. وبالنظر إلى أن إيران تدرك خطورة الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، فإنها ستسعى إلى اختبار حدود القوة الأمريكية عبر دعم العمليات غير المباشرة، مثل الهجمات التي ينفذها الحوثيون.

الخبير العسكري اللواء أ.ح د. محمد الشهاوي

الولايات المتحدة تستهدف حماية إسرائيل في الأساس

ويؤكد أن الولايات المتحدة تستهدف في الأساس حماية إسرائيل في المنطقة من أي هجمات للحوثيين عليها، أو التهديد الذي تمثله للسفن الإسرائيلية أو الأمريكية التي تعبر من البحر الأحمر.

وحول وجود حاملتي الطائرات قال الخبير العسكري، إن نشرهم في البحر الأحمر يتيح للولايات المتحدة تنفيذ ضربات دقيقة، بالإضافة إلى نشر مجموعات قتالية تضم سفنًا ومدمرات مزودة بأنظمة دفاع جوي متقدمة مثل نظام Aegis، القادر على اعتراض الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. ومع ذلك، فإن قدرة هذه القوات على تحقيق ردع فعال ستعتمد على مدى استعداد واشنطن لاستخدام القوة بفعالية ضد الحوثيين، واعتراض أي تهديد تقوم به ضد إسرائيل.

التكتيكات الحوثية وتحديات المواجهة

وأوضح اللواء الشهاوي أن الحوثيين يعتمدون على تكتيكات الحرب غير المتكافئة، مستفيدين من الطبيعة الجغرافية لليمن، والتي تتيح لهم شن هجمات بصواريخ وطائرات مسيّرة دون الحاجة إلى سيطرة جوية. هذه الاستراتيجية تجعل من الصعب على الولايات المتحدة وحلفائها إنهاء التهديد تمامًا، رغم التفوق العسكري الساحق لديهم.

التداعيات المحتملة على الصراع الإقليمي

وأضاف اللواء د. محمد الشهاوي أن المنطقة مقبلة على حدث كبير لما يحدث من تحركات عسكرية نراها جميعاً وتستهدف الولايات المتحدة تصعيداً مع إيران، وتصاعد الهجمات الحوثية قد يدفع الوجود العسكري الأمريكي الحوثيين إلى تصعيد هجماتهم، مما قد يؤدي إلى استهداف أوسع للسفن التجارية، وربما حتى قواعد أمريكية في المنطقة.

وأشار إلى أن هناك تحولات أيضاً في استراتيجية الولايات المتحدة .. ففي حال استمرار التوتر، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة لتبني نهج أكثر عدوانية، مما قد يشمل عمليات برية أو فرض حصار بحري على اليمن.

وفي النهاية قال اللواء محمد الشهاوي، إن نشر حاملتي الطائرات الأمريكية في المنطقة يؤكد أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر الشرق الأوسط ساحة رئيسية لمصالحها الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحرك في تحقيق أهدافه يعتمد على مدى قدرة واشنطن على تحقيق التوازن بين الردع وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة. في ظل استمرار التهديدات، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، مع تصاعد المخاوف من تحول البحر الأحمر إلى ساحة صراع طويل الأمد بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى.

اقرأ أيضًا: بعد 3 هجمات في 24 ساعة.. هل يشكل الحوثيون خطرًا على حاملة الطائرات الأمريكية؟

زر الذهاب إلى الأعلى