ألمانيا تغلق أبوابها أمام اللاجئين والمهاجرين.. حكم قضائي يطعن بسياسة الحدود

تعرضت سياسة الحدود الجديدة المتعلقة باللجوء والمهاجرين في ألمانيا لانتكاسة خطيرة بعد أن قضت محكمة في برلين بأن حكومة المستشار فريدريش ميرتس خالفت القانون بإعادة طالبي اللجوء على الحدود دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
تتعلق القضية بثلاثة مواطنين صوماليين أُعيدوا إلى بولندا بعد عبورهم الحدود الشرقية في مايو، مما يُشكك في وعد الحكومة باتخاذ إجراءات سريعة وصارمة بشأن الهجرة، ويثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل نظام اللجوء لديها.
يؤكد الحكم على ضرورة التزام ألمانيا بما يُسمى “لائحة دبلن” للاتحاد الأوروبي، والتي تُلزم السلطات بتحديد الدولة المسؤولة عن طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي قبل إعادته – بغض النظر عما إذا كان قد دخل من دولة ثالثة “آمنة”.
ماذا حدث: القضية التي أثارت أزمة اللجوء والمهاجرين
جاء الأمر القضائي الطارئ الصادر عن المحكمة في أعقاب طعن قدمه الصوماليون الثلاثة، بمساعدة منظمة “برو أسيل” المعنية بحقوق اللجوء.
بعد دخولهم ألمانيا بالقطار من بولندا وإبداء رغبتهم في طلب اللجوء، أعادتهم الشرطة الألمانية على الفور بموجب سياسة الحدود الجديدة. إلا أن محكمة برلين وجدت أن هذه العملية غير قانونية: إذ لم تُفعّل السلطات إجراءات دبلن لتقييم الدولة المسؤولة فعليًا عن طلباتهم.
ينص الحكم على أنه “لا يجوز إعادة الأشخاص الذين يُعربون عن رغبتهم في طلب اللجوء أثناء وجودهم عند نقطة تفتيش حدودية على الأراضي الألمانية” قبل تحديد الدولة المسؤولة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي.
الهجرة الى ألمانيا.. لماذا يُشكّل هذا الحكم مشكلة لحكومة ميرتس؟
كانت الهجرة أحد أهم وعود حملة المستشار ميرتس الانتخابية وحكومته المحافظة، التي تولت السلطة قبل أقل من شهر. وتعهد وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت بمواصلة صد طالبي اللجوء على الحدود، مُجادلًا بأن قرار المحكمة يقتصر على الصوماليين الثلاثة ولا يُشكّل سابقة قانونية أوسع نطاقًا.
مع ذلك، يُعارض الخبراء القانونيون هذا الرأي. وصرح جيرالد كناوس، خبير سياسات الهجرة، لمجلة شتيرن قائلًا: “ستخسر الحكومة الألمانية كل قضية في هذه النقطة، وصولًا إلى محكمة الاتحاد الأوروبي”. يخضع قضاة آخرون لنفس قوانين الاتحاد الأوروبي وألمانيا، مما يزيد من احتمالية تقديم طعون قانونية إضافية، بل ويرجح نجاحها.
يكشف هذا الحكم عن انقسامات عميقة داخل الائتلاف الحاكم. فبينما يدفع ميرز ودوبرينت باتجاه ضوابط أكثر صرامة، يُشدد شركاء الائتلاف، مثل وزيرة العدل ستيفاني هوبيغ، على ضرورة الالتزام بأحكام المحاكم وقانون الاتحاد الأوروبي.
العواقب السياسية والعملية: سياسة المنع موضع تساؤل
صرحت دوبرينت بأن الشرطة ستواصل هذه السياسة، لكنها أقرت بأنه سيتم تقديم المزيد من المبررات القانونية. ويقول المنتقدون، بمن فيهم حزب الخضر الألماني والمؤيدون للهجرة، إن قرار المحكمة يُثبت أن هذه السياسة كانت دائمًا محكوم عليها بالفشل، ويمسّ كلًا من الدول الأوروبية المجاورة والمعايير القانونية الأساسية.
التداعيات العملية وخيمة. فلكي تُطبّق سياسة المنع، ستحتاج السلطات الألمانية إلى رفض المهاجرين قبل أن تطأ أقدامهم الأراضي الألمانية، مما يتطلب تعاونًا غير مسبوق من الدول المجاورة، وخاصة بولندا.
لكن السياسات الإقليمية تُعقّد هذا التنسيق: فبولندا متورطة أيضًا في نقاشات ساخنة حول الهجرة، ومن غير المرجح أن يوافق قادة اليمين المنتخبون حديثًا على شروط برلين.
إصلاح في الأفق: نقاش “البلد الآمن”
وسط انتكاسات قانونية، تتجه حكومة ميرز نحو إصلاح شامل لإجراءات اللجوء. سيسمح مشروع قانون مرسوم – يتجاوز الإجراءات البرلمانية المعتادة – للحكومة بتحديد “دول منشأ آمنة” جديدة، مما يُسهّل ويسرع رفض طلبات اللجوء من تلك الدول.
قد تشمل القائمة قريبًا الجزائر والهند والمغرب وتونس ودولًا أخرى، مما يُتيح مواءمة السياسة الألمانية بشكل أوثق مع معايير الاتحاد الأوروبي الأوسع.
سيُقيّد هذا الإصلاح أيضًا الدفاع القانوني المُموّل من الدولة للمهاجرين الذين يواجهون الترحيل، ويسعى إلى تقليص فترات إجراءات اللجوء القياسية إلى ما لا يزيد عن ستة أشهر. ومع ذلك، تُشدّد الحكومة على أنه حتى المتقدمين من دول “آمنة” يُمكنهم تقديم أدلة على وجود خطر فردي أثناء مقابلة اللجوء.
أثار هذا التوجه نحو السرعة والكفاءة انتقادات من أحزاب المعارضة، ومناصري حقوق الإنسان، وبعض شركاء الائتلاف، الذين حذّروا من أن المعايير القانونية والإنسانية قد تُقوّض لتحقيق مكاسب سياسية.
أقرا أيضا.. أمريكا تواجه عصرًا نوويًا جديدًا.. “القيادة والسيطرة” في خطر أمام روسيا والصين
ما هي لائحة دبلن؟
تُعدّ لائحة دبلن ركيزةً أساسيةً في قانون اللجوء بالاتحاد الأوروبي، حيث تُسند مسؤولية طلبات اللجوء إلى أول دولة في الاتحاد الأوروبي يدخلها طالب اللجوء – عادةً تلك الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد، مثل اليونان أو إيطاليا.
أما ألمانيا، المحاطة بدول أخرى في الاتحاد الأوروبي، فغالبًا ما تتلقى طلبات لجوء ثانوية، والتي يتعين عليها الآن معالجتها بموجب قواعد دبلن بدلاً من رفضها فورًا.
هذا النظام مثير للجدل، إذ يقول المنتقدون إنه يُثقل كاهل دول المواجهة بشكل غير عادل ويُعقّد التوزيع العادل لمسؤوليات اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي.
ألمانيا.. سياسة غامضة ومخاطر سياسية متزايدة
يُمثل توبيخ المحكمة للمستشار ميرز ضربةً لجهوده الرامية إلى تطويق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي بنى صعوده على خطاب مناهض للهجرة. وبينما انخفضت تدفقات الهجرة في السنوات الأخيرة، لا تزال القضية متفجرة سياسياً، ولا تزال الانتخابات الإقليمية الرئيسية المقبلة على بُعد عام تقريباً.
تكشف عمليات التفتيش الحدودية المكثفة التي فرضتها الحكومة، وقيود لمّ شمل العائلات، والتعديلات القانونية المقترحة، عن استراتيجية واضحة: الحد من الهجرة غير النظامية، وتسريع عمليات الترحيل، والتوافق بشكل أوثق مع سياسات الاتحاد الأوروبي الصارمة.
مع ذلك، وكما تُظهر هذه القضية، فإن الالتزامات القانونية لألمانيا – وواقع قانون الاتحاد الأوروبي – تضع حدوداً صارمة لما يمكن أن تصل إليه برلين.