أمريكا تواجه عصرًا نوويًا جديدًا.. “القيادة والسيطرة” في خطر أمام روسيا والصين

أمريكا تواجه معضلة نووية، حيث تدخل الولايات المتحدة حقبة نووية جديدة تتسم بتزايد خطر نشوب صراع بين القوى العظمى.
لأول مرة في التاريخ، تواجه واشنطن خصمين نوويين – روسيا والصين – بترسانات قد تُضاهي ترسانتها النووية أو حتى تتجاوزها قريبًا.
وفقا لتحليل فورين بوليسي، هذا الواقع الجديد، الذي أشارت إليه لجنة الموقف الاستراتيجي المشتركة بين الحزبين في عام 2023، يُمثل ما يُطلق عليه العديد من الخبراء “تحديًا وجوديًا” لسياسة الدفاع الأمريكية والردع الاستراتيجي.
أمريكا تواجه معضلة نووية.. القيادة والسيطرة في خطر
تكمن جوهر المعضلة في ضعف نظام القيادة والسيطرة والاتصالات النووية الأمريكي (NC3). هذه هي البنية التحتية والبروتوكولات التي تُمكّن الرئيس الأمريكي والقادة العسكريين من الحفاظ على اتصال آمن مع القوات النووية والتقليدية في جميع الأوقات. يعتمد الردع على ضمان قدرة الولايات المتحدة على الرد بقوة ساحقة، حتى في حالة تعرضها لهجوم.
مع ذلك، إذا شعر الخصم بإمكانية تعطيل هيكل القيادة الأمريكية، فقد يميل إلى محاولة شن ما يُسمى بـ”ضربة إبادة نووية”.
ركزت كل من روسيا والصين على تطوير قدرات متقدمة لاستهداف هذه الثغرة تحديدًا. تشمل ترساناتهما الآن أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وأدوات سيبرانية، وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، مصممة لتعطيل الاتصالات والتهرب من الدفاعات الصاروخية.
يُمثل هذا تحولًا جذريًا: فقبل عقد من الزمان فقط، كان خطر شن هجوم مفاجئ ناجح على القيادة الأمريكية يُعتبر مستبعدًا. أما اليوم، فلم يعد هذا الافتراض قائمًا.
الطفرة النووية الصينية ومشكلة الأجسام الثلاثة
تضاعفت القوة النووية الصينية، التي قُدِّرت بـ 200 رأس حربي فقط قبل بضع سنوات، ثلاث مرات لتصل إلى 600 رأس، ومن المتوقع أن تتجاوز 1000 رأس بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير البنتاجون لعام 2024. هذا التعزيز السريع – الذي وصفه رئيس القيادة الاستراتيجية الأمريكية السابق، الأدميرال تشارلز ريتشارد، بأنه “مذهل” – يُضيف قوة نووية رئيسية ثالثة إلى المعادلة العالمية، مُخلّاً بالتوازن القائم منذ زمن طويل بين الولايات المتحدة وروسيا.
السؤال الجديد هو: كيف يُمكن للولايات المتحدة ردع قوتين نوويتين في آنٍ واحد، لا سيما مع تعميق روسيا والصين تعاونهما العسكري وإجراء دوريات مشتركة للقاذفات الاستراتيجية؟
قطع الرأس.. ما لا يُصدّق يُصبح ممكناً
تعمل كلٌّ من موسكو وبكين على تقويض نظام NC3 الأمريكي. وقد استعرضت الصين تكنولوجيا مضادة للأقمار الصناعية، واختبرت صواريخ ذات صعود مباشر، ونشرت أشعة ليزر وأقماراً صناعية “قتالية”، وكلها تهدف إلى تشويش أنظمة الإنذار المبكر والاتصالات الأمريكية. في عام 2021، اختبرت الصين نظاماً مشابهاً لنظام القصف المداري الجزئي (FOBS) للاتحاد السوفيتي، قادر على إطلاق ضربة مفاجئة من المدار.
كما كثّفت روسيا برامجها الفضائية المضادة، حيث دمّرت الأقمار الصناعية في اختبارات تُخلّف حطاماً خطيراً، وحدّثت منشآت القيادة في أعماق الأرض.
تزيد أحدث الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي أطلقتها موسكو، وحديثها عن أقمار صناعية مسلحة نوويًا، من حدة التوتر، كما هو الحال مع استخدام حق النقض (الفيتو) ضد جهود الأمم المتحدة لإبقاء الأسلحة النووية خارج الفضاء.
التحديث الأمريكي: محاولة اللحاق بالركب
في حين استثمر كلا الخصمين بكثافة في تحديث بنيتهما التحتية النووية والقيادية، بدأت الولايات المتحدة الآن فقط بتحديث عناصر أساسية. يعمل البنتاغون على تحديث رادارات الإنذار المبكر والأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات، ولكن لا تزال هناك فجوات كبيرة.
اقرأ أيضا.. ارتفاع الجنيه الإسترليني والذهب مع تأثر الدولار بمخاوف الحرب التجارية
مجالات العمل الرئيسية
استمرارية العمليات والإدارة (COOP/COG): تحتاج الولايات المتحدة إلى تركيز متجدد على الحفاظ على سلامة القيادة وخطوط القيادة في مواجهة الهجمات. منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يُبذل الكثير لتطبيق هذه البروتوكولات في مواجهة التهديدات النووية المماثلة.
مراكز القيادة المتنقلة: تُعدّ مراكز القيادة الثابتة، مثل البنتاغون وجبل شايان، أهدافًا رئيسية. يجري تحديث مراكز القيادة المحمولة جواً، مثل مركز العمليات الجوية الوطني E-4B وطائرات TACAMO التابعة للبحرية، إلا أن التمويل والتسليم في الوقت المناسب أمران حاسمان. يهدف برنامج مركز العمليات الجوية القادر على النجاة الجديد التابع للقوات الجوية إلى توفير قدرات قيادة جوية متقدمة بحلول عام 2036 بتكلفة 13 مليار دولار.
الردع في عالم نووي متعدد الأقطاب
يتمثل الخطر المباشر الأكبر في أن سوء تقدير موسكو أو بكين – معتقدةً أن ضربة قاضية قد تنجح – قد يدفع إلى شن هجوم، لا سيما في أوقات الأزمات. ولمنع ذلك، يجب على الولايات المتحدة ضمان تحصين مركزها الوطني الثالث للعمليات الجوية، وإثبات أنه لا يمكن لأي خصم أن يوقف الرد الأمريكي.
كما أشار وزير الدفاع السابق أشتون كارتر عام 1985، فإن “الأسلحة والعقيدة الاستراتيجية لا معنى لها” دون نظام قوي للإبلاغ واتخاذ القرارات وتنفيذها في ظل فوضى الحرب النووية.