أنقذها البحر من الحرب.. أرواد حكاية جزيرة سورية تحكمها النساء

في قلب البحر المتوسط، وعلى مقربة من الساحل السوري، تقف جزيرة أرواد كواحدة من أندر الأماكن التي ظلت صامدة خلال سنوات الحرب.
في جزيرة أرواد يتقاطع التاريخ مع الحياة اليومية، ويعلو صوت النساء في مجتمع نادرٍ تقوده الأمهات بحكمة البحر وصلابة الصخر.
حياة تنبض بين أزقة القلعة
من اللحظة الأولى لدخولك شوارع أرواد، تشعر بأنك في مكان مختلف. الأزقة الضيقة المطلية باللون الأبيض، البيوت المتلاصقة، النوافذ المفتوحة، وحديث الجيران الذي يملأ المكان، كلها مشاهد توحي بأن الزمن هنا يسير على مهل، بإيقاع البحر وروح أهله.
في ميناء الجزيرة، ترسو قوارب الصيد والمراكب السياحية، شاهدة على المهنة الأساسية لأهالي أرواد، الذين يعتمدون في رزقهم على البحر وصناعة القوارب والسياحة الموسمية. مشهد بسيط، لكنه مشحون بالهوية والانتماء.
سكان جزيرة أرواد
وفق تقارير يعيش في أرواد حوالي عشرة آلاف نسمة، يعمل معظمهم في البحر. يتوزع السكان بين صيادي سمك، وعاملين على متن السفن التجارية والقوارب السياحية، ويشغلون وظائف متنوعة مثل القبطان، البحّار، وفنيي الصيانة.
كما يملك عدد من سكان الجزيرة مطاعم بسيطة منتشرة على طول الساحل، تقدم المأكولات البحرية لزوار الجزيرة، في مشهد يومي يعكس ارتباط أهل أرواد العميق بالبحر كمصدر للعيش والكرامة.
الحرب لم تدمر الجزيرة… لكنها شرّدت أبناءها
رغم أن أرواد نجت من القصف الذي طال أغلب المدن السورية خلال سنوات الحرب، إلا أن أهلها لم يكونوا بمنأى عن التداعيات الأمنية والاجتماعية.
فالأجهزة الأمنية للنظام السابق مارست التضييق والاعتقال بحق عدد من شباب الجزيرة، إلى جانب تجنيد إجباري طال العديد منهم، ما دفع كثيرين إلى الهجرة نحو دول الجوار أو أوروبا.
يقول أحمد خفاجا، أحد أبناء الجزيرة بحسب DW، إن ثلاثة من أبناء إخوته جرى اعتقالهم بين عامي 2011 و2012 بتهم تتعلق بتأييد الثورة السورية و”تهريب السلاح”، ولا يزال مصيرهم مجهولًا حتى بعد سقوط النظام.
“الجزيرة كانت بعيدة عن القتال، لكن شبابنا دفعوا ثمنًا باهظًا، بين المعتقل والغربة”، يقول خفاجا، الذي يرى أن أرواد خسرت شريحة من أبنائها في وقت كانت بأمس الحاجة إليهم.
جزيرة تحكمها النساء
في مشهد نادر على مستوى المحافظات السورية، تلعب النساء في أرواد الدور الأبرز في تسيير شؤون الحياة اليومية. فبينما ينشغل الرجال في البحر، تتولى النساء إدارة شؤون البيوت، المدارس، المحلات، وحتى البلدية.
تقول فاطمة كنفاني، رئيسة بلدية أرواد:”المجتمع الأروادي مجتمع نسائي بامتياز. النساء هنا صلبات، مدبّرات، وقادرات على قيادة أي مؤسسة. الرجال يعترفون بذلك، ويفخرون به”.
وتقود كنفاني مشروعًا طموحًا لإعادة تأهيل البنية الخدمية في الجزيرة، وعلى رأسها قلعة أرواد، التي كانت حتى وقت قريب مقرًا عسكريًا مغلقًا، قبل أن تُفتح مجددًا أمام الزوار بعد سقوط النظام.
تاريخ قلعة أرواد
تُعدّ قلعة أرواد من أبرز المعالم الأثرية في سوريا، رغم قلة الاهتمام الرسمي بها خلال العقود الماضية. تشير المصادر التاريخية إلى أن أساس القلعة يعود إلى الحقبة الفينيقية، فيما شهدت توسعات كبرى خلال العصور الصليبية، وتحديدًا في القرن الحادي عشر الميلادي.
في العهد العثماني، احتُفظ بالقلعة كموقع دفاعي، لكنها تحولت لاحقًا إلى معتقل استخدمه الفرنسيون خلال فترة الانتداب لسجن قيادات الثورة السورية الكبرى، أبرزهم قادة من جبل العرب ومنطقة الساحل.
مجتمع البحر في جزيرة أرواد
في كل مساء، ومع اقتراب الشمس من المغيب، يتجمع سكان أرواد على الساحل الأمامي للجزيرة، يشاهدون البحر، يتبادلون الأحاديث، ويتنفسون هدوءًا لطالما افتقدوه في السنوات الماضية. الأطفال يلعبون في الممرات الحجرية، والضحكات تتقاطع مع صرخات طيور البحر.
تقول رئيسة البلدية فاطمة كنفاني، وهي تشارك السكان نزهتهم المسائية المعتادة:”نحن لا نعيش في جزيرة فقط، بل في ذاكرة ممتدة. البحر أنقذنا من نيران الحرب، واليوم نأمل أن يعيد الحياة إلى بيوتنا وشوارعنا”.
رغم عزلتها، لم تغرق أرواد في النسيان. ظلت جزيرة النساء والصيادين صامدة، تنتظر عودة الزوار وتفتح أبوابها من جديد للعالم، كمكان للتاريخ والحياة معًا.
اقرا أيضا.. بين نيران غزة ونووي إيران.. هل يرسم عشاء نتنياهو وترامب خريطة حرب جديدة؟