أوروبا تدخل وقتًا حرجًا لتخزين الغاز بعد استنزاف الشتاء احتياطياتها 

مع دخول أوروبا أشهر الربيع، تخرج مرافق تخزين الغاز من الشتاء وهي تعاني من استنزاف كبير، حيث أن ثلثي المخزونات حاليًا فارغة. ومع انتهاء موسم التدفئة، تواجه المنطقة سباقًا مع الزمن لتجديد هذه المخزونات قبل حلول فصل الشتاء المقبل.

يتفاقم هذا الوضع بسبب ارتفاع أسعار الغاز، الذي ألغى الحافز المالي المعتاد للتجار لإعادة ملء المخزونات. إن المخاطر كبيرة، وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت أوروبا قادرة على تجنب نقص محتمل في الغاز.

 تخزين الغاز في أوروبا: تأثير الشتاء

تسارع استنزاف احتياطيات الغاز في أوروبا مع أول شتاء بارد حقًا منذ أن قلصت المنطقة بشكل كبير اعتمادها على إمدادات الغاز الروسية.

تفاقم الوضع في يناير عندما توقف تدفق الغاز عبر أوكرانيا، التي كانت توفر بعض الإمدادات المتبقية. وقد أدى هذا الاضطراب غير المتوقع إلى تقييد السوق بشدة، حيث أصبحت أسعار الغاز في الصيف أعلى باستمرار من أسعار الشتاء المقبل.

لقد اختفى إلى حد كبير الدافع الربحي المعتاد للتجار، الذين كانوا يشترون الغاز بأسعار زهيدة خلال الصيف ويبيعونه خلال الشتاء، مما خلق تحديًا كبيرًا لإعادة تعبئة المخزون.

نقص الحوافز المالية لإعادة تعبئة المخزون

سلط راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لمجموعة فيتول، وهي شركة عالمية لتجارة الطاقة، الضوء على المعضلة التي تواجه السوق: “يجب إيجاد حل على المدى القصير لبدء عمليات ضخ الغاز في المخزون، حتى مع انعكاس الأسعار اليوم”.

يعكس تعليق هاردي حالة عدم اليقين في السوق، حيث تعطل النمط المعتاد لانخفاض أسعار الصيف والتخزين المربح. السؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان المشاركون في السوق على استعداد لبدء إعادة ضخ الغاز بأسعار قد تكون غير مربحة أم أنهم سينتظرون ظروفًا أفضل.

دور الحكومات في ضمان التخزين الكافي

تنص المفوضية الأوروبية على أن تكون مرافق التخزين ممتلئة بنسبة 90% بحلول 1 نوفمبر 2025. ومع ذلك، هناك شكوك متزايدة بشأن تطبيق هذه القاعدة بسبب المناقشات الجارية حول مرونة توقيت هذه الأهداف.

تضغط بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل مزيد من التساهل في هذه اللوائح، وقد يكون لأي تغييرات آثار كبيرة على السوق وأسعار الغاز. ويشير محللو السوق إلى أنه في حال عدم إعادة ملء المخزونات بشكل كافٍ قبل الشتاء، فقد تواجه أوروبا ارتفاعات حادة في الأسعار، لا سيما في حال حدوث طقس بارد أو انقطاعات غير متوقعة في الإمدادات.

وأشار باتريسيو ألفاريز، كبير المحللين في بلومبرج إنتليجنس، إلى أنه في ظل الظروف الحالية، من المتوقع أن تصل مستويات التخزين الأوروبية إلى حوالي 87% بحلول الأول من نوفمبر.

يفترض هذا السيناريو عدم عودة أي غاز روسي عبر أوكرانيا، وارتفاع واردات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40% على الأقل مقارنة بالعام الماضي، وبقاء أهداف التخزين دون تغيير.

اقرأ أيضًا: اكتشاف صادم في شوارع إنجلترا.. وثائق عسكرية سرية تُثير مخاوف أمنية

تعقيد واردات الغاز الطبيعي المسال وضغوط الأسعار

وهناك عامل تعقيد آخر يتمثل في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي. ستحتاج أوروبا إلى الحفاظ على أسعار مرتفعة لجذب كميات كافية من الغاز الطبيعي المسال خلال أشهر الصيف.

بينما تأمل أوروبا في ضعف الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال، مما قد يسمح بتدفق المزيد من الشحنات إلى المنطقة، إلا أنها قد تواجه منافسة شرسة من الأسواق الآسيوية في حال انخفاض الأسعار. مع استمرار أسعار الغاز حول 40 يورو للميغاواط/ساعة، من غير الواضح ما إذا كان هذا السعر كافياً لضمان تدفق إمدادات الغاز الطبيعي المسال اللازمة.

في حال انخفاض الأسعار، كما هو متوقع في حال تحول تدفقات الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا، فقد تجد أوروبا نفسها في حاجة ماسة إلى إمدادات إضافية.

التحديات التي تواجه احتياجات أوكرانيا من الغاز

يزداد الوضع تعقيداً بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية للغاز في البلاد. ونتيجةً لذلك، ازداد طلب أوكرانيا على الغاز بشكل كبير، مما استدعى وارداتٍ تصل إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه في السنوات السابقة. ويضيف هذا الضغط الإضافي على إمدادات الغاز الأوروبية مزيداً من التعقيد إلى سوقٍ تعاني أصلاً من ضغوط.

ردود فعل الحكومات وعدم يقين السوق

تكافح الحكومات في جميع أنحاء أوروبا لإيجاد أفضل السبل لإدارة عملية إعادة التعبئة. وبينما تدرس بعض الدول تقديم إعانات أو أشكال أخرى من التدخل لتحفيز ضخّ الغاز في التخزين، إلا أن هناك مخاطر مُرتبطة بذلك.

في يناير، فاجأ مدير سوق الغاز الألماني التجار باقتراحه تقديم إعانات لصفقات التخزين غير المربحة، وهي خطوةٌ دفعت أسعار الصيف إلى الارتفاع وخلقت مزيداً من عدم اليقين. حتى الآن، لم توضح ألمانيا بعدُ كيفيةَ المضيّ قدمًا في هذه الخطة، أو ما إذا كانت ستُنفّذها، مما يُبقي السوق في حالةٍ من الغموض.

في غضون ذلك، اتخذت دولٌ مثل إيطاليا خطواتٍ لتأمين إمدادات الغاز مُبكرًا، حيثُ أجلت مزادات التخزين إلى فبراير، في محاولةٍ لتأمين الإمدادات قبل ارتفاع الأسعار أكثر. تعكس هذه الخطوات حالةَ الاستعجال التي تُشعر بها أوروبا في ظلّ تزايد مخاطر نقص تخزين الغاز.

المرونة التنظيمية ومراقبة السوق

بالنظر إلى المستقبل، يراقب المحللون عن كثب إمكانية إجراء تغييرات تنظيمية من شأنها أن تُسهم في تخفيف الضغط على تخزين الغاز. إذا اعتمدت المفوضية الأوروبية نهجًا أكثر مرونةً في قواعد التخزين، كما تدعو بعض الدول الأعضاء، فقد يُتيح ذلك فرصةً كافيةً لضمان إعادة تعبئة المرافق في الوقت المناسب لفصل الشتاء.

مع ذلك، من المرجح أن يتطلب الأمر الإعلان عن هذه التغييرات مسبقًا بوقت كافٍ، مما لا يتيح للمتداولين سوى بضعة أشهر للتفاعل.

كما حذّر ماركو سالفرانك، رئيس قسم التداول التجاري في أوروبا القارية في شركة أكسبو هولدنج إيه جي، “إذا لم يُعلن عن أي تغيير إلا في منتصف العام تقريبًا، فلن يكون هناك سوى بضعة أشهر لضخّ الغاز، مما قد يؤثر على الأسعار”.

زر الذهاب إلى الأعلى