أوروبا تزود إسرائيل بكلاب وحشية مفترسة.. فلسطينية تحكي مأساة

في الساعات الأولى من صباح أحد أيام فبراير عام 2023، أصبح منزل عائلة حشاش في مخيم بلاطة للاجئين بالضفة الغربية مسرحًا لهجوم مروع – ليس من قِبل الجنود مباشرةً، بل من قِبل كلاب الجيش الإسرائيلي.
بينما كانت أماني حشاش تحمي أطفالها الأربعة في غرفة نوم، اندفع كلب غير مُكمّم إلى الغرفة وعضّ ابنها إبراهيم، البالغ من العمر ثلاث سنوات، بوحشية. ورغم توسلاتها اليائسة ونضالها، استمر الكلب في نهش الطفل، حتى سحبه من بين ذراعيها قبل أن يتدخل الجنود.
وفقا لتقرير الجارديان، عانى الطفل من جروح عميقة تطلبت 42 غرزة جراحية، وحقنًا متعددة لعلاج الالتهابات، وتعافيًا مؤلمًا ترك ندوبًا نفسية دائمة.
قصة حشاش، المُوثّقة بالصور والتقارير الطبية، ليست فريدة من نوعها. وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان وتحقيق مشترك أجرته صحيفة الجارديان ومعهد أريج للأبحاث الاستقصائية (أريج)، تنشر وحدة كلاب “أوكيتز” التابعة للجيش الإسرائيلي كلابًا هجومية بانتظام في غارات على غزة والضفة الغربية، مستهدفةً في كثير من الأحيان المدنيين – بمن فيهم الأطفال وذوي الإعاقة.
منذ أكتوبر 2023، وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان 146 حالة استخدام كلاب عسكرية إسرائيلية ضد المدنيين، مما أدى إلى إصابات بالغة، وفي بعض الحالات، إلى وفيات.

دور أوروبا: مصدر كلاب الجيش الإسرائيلي
يكشف التحقيق أن الغالبية العظمى من كلاب الهجوم التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي تأتي من مربين ومراكز تدريب أوروبية.
أفادت التقارير أن قادة “أوكيتز” أخبروا الباحث الأمريكي في حرب المدن جون سبنسر أن 99% من الكلاب، والبالغ عددها حوالي 70 كلبًا، تُستورد سنويًا من أوروبا – وهو رقم لم يُنكر جيش الدفاع الإسرائيلي صحته. معظمها من نوع مالينو البلجيكي، الذي يتميز بقوته البدنية وذكائه، ويتم توريدها من قبل شركات متخصصة في ألمانيا وهولندا وبلجيكا وجمهورية التشيك.
تُظهر السجلات والوثائق الرسمية المُستقاة من هيئة سلامة الأغذية والمنتجات الاستهلاكية الهولندية أنه في الفترة ما بين أكتوبر 2023 وفبراير 2025، مُنحت 110 شهادات تصدير لكلاب مُوجهة إلى إسرائيل، منها 100 شهادة ذهبت إلى مركز تدريب الكلاب البوليسية الهولندي “فور ويندز كيه 9” وحده.
أكد موقع Diensthunde.eu الألماني شحنات من كلاب مالينوي البلجيكية والراعي الألماني إلى إسرائيل، مع إصراره على أن هذه الكلاب كانت مخصصة فقط لأعمال الكشف، وليست للاستخدام العسكري الهجومي.
مع ذلك، وبموجب لوائح الاتحاد الأوروبي الحالية، لا تُصنف الكلاب كعناصر استراتيجية أو أسلحة مُراقبة، وبالتالي لا تتطلب الصادرات تراخيص خاصة، ولا تُلزم الدول بمراقبة كيفية استخدام هذه الحيوانات في نهاية المطاف. وقد سمحت هذه الفجوة التنظيمية للكلاب المُدربة في أوروبا بأن تُصبح، كما وصفها النقاد، “أسلحة كلاب” في مناطق الصراع.
الهجمات والصدمات النفسية ودعوات المساءلة
ارتبط التصعيد في استخدام الكلاب من قِبل جيش الدفاع الإسرائيلي ببعض أكثر حوادث العنف المُقلقة ضد الفلسطينيين في الآونة الأخيرة. في يوليو 2024، على سبيل المثال، هاجم كلب تابع للجيش الإسرائيلي الشاب محمد بحر، المصاب بمتلازمة داون والتوحد، مما أدى إلى وفاته في مدينة غزة.
شملت الحوادث الأخرى امرأة تبلغ من العمر 68 عامًا تعرضت للعض في جباليا، وامرأة حامل تُدعى تحرير حسني، أجهضت بعد هجوم كلب عليها في خان يونس.
أدان متخصصو سلوك الحيوان والمدافعون عن حقوق الحيوان هذه الممارسة. وندد الدكتور جوناثان بالكومب، وهو خبير بارز في سلوك الحيوان، باستخدام الكلاب كسلاح في الصراعات البشرية، ووصفه بأنه “انتهاك أخلاقي”، مؤكدًا أن الكلاب تُجبر على العدوان، وتُصبح “ضحايا في صراعات لا يفهمونها”.
تجادل منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى بأن استخدام كلاب الهجوم على المدنيين والمعتقلين يُشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتدعو إلى تنظيم عاجل لبيعها واستخدامها كأدوات حرب.
أقرا أيضا.. كارثة جوية.. تحطم طائرة في الهند على متنها 242 شخصًا متجهة إلى لندن
القانون الدولي والتواطؤ الأوروبي
تحذّر وكالات الأمم المتحدة وخبراء قانونيون، بمن فيهم المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة ريتشارد فالك، من أن الشركات الأوروبية التي تُزوّد جيش الدفاع الإسرائيلي بالكلاب تُعدّ متواطئة في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان.
صرح فالك قائلاً: “من منظور القانون الدولي العام، لا أشكّ إطلاقاً في أن الشركات التي تُصدّر هذه الكلاب متواطئة، لأنها تعرف تماماً كيفية استخدامها”. وأضاف باتريك ويلكن من منظمة العفو الدولية أنه ينبغي مراعاة هذه الصادرات في المعاهدات الدولية التي تُنظّم الأسلحة التقليدية.
على الرغم من تزايد الأدلة والغضب العالمي، تُصرّ الحكومات الأوروبية على أنها لا تتعقّب غرض أو سلالة الكلاب المُصدّرة إلى إسرائيل، وبالتالي لا تتحمّل أي مسؤولية رسمية عن استخدامها في العمليات العسكرية.

رد إسرائيل
يؤكد الجيش الإسرائيلي أن كلاب وحدة أوكيتز تُستخدم فقط وفقًا للضرورة العملياتية، وبموجب “أوامر ملزمة، وأخلاقيات عملياتية، والقانون الدولي”. ويزعم بيان رسمي أن الكلاب لا تُستخدم لأغراض عقابية أو لإيذاء المدنيين، بل فقط كجزء من احتياجات عملياتية واضحة.
مع ذلك، أفادت منظمات حقوقية ومعتقلون سابقون عن استخدام ممنهج لكلاب الهجوم لإرهاب المدنيين الفلسطينيين وإصابتهم وإذلالهم، بما في ذلك حالات استخدام الكلاب ضد السجناء في السجون الإسرائيلية.
الجدل حول المساءلة وضوابط التصدير
مع تزايد الأدلة على دور كلاب الهجوم المدربة في أوروبا في العمليات العسكرية الإسرائيلية، تتزايد الدعوات إلى فرض ضوابط أكثر صرامة ومساءلة دولية.
يجادل الخبراء بأنه في غياب التنظيم السليم، تُخاطر الدول والشركات الأوروبية بتسهيل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.