أوروبا تواجه نقص المتفجرات والبارود وسط تصاعد التوترات في أوكرانيا

وفقا لتقرير بلومبرج، فإن أوروبا تواجه نقص المتفجرات والبارود ومادة تي إن تي، وغيرها من المواد المتفجرة الحيوية، في ظل تسابق مصنعي الذخيرة لتلبية الاحتياجات الدفاعية المتزايدة للقارة.

وفقا لتقرير بلومبرج، في ظل الصراع الدائر في أوكرانيا، تعرضت قدرة أوروبا على إنتاج الذخائر اللازمة لعملياتها العسكرية لضغوط شديدة. وبينما تسعى الدول جاهدةً لتعزيز الإنتاج، يحذر الخبراء من أن مزيجًا من اختناقات سلسلة التوريد، ونقص المواد الخام، والتحديات التنظيمية، سيؤخر جهود تلبية الطلب المتزايد على المتفجرات والوقود.

سباق لزيادة إنتاج الذخيرة

شهد الطلب على الذخيرة في أوروبا ارتفاعًا حادًا منذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، وقد استغلت الحكومات الأوروبية مخزوناتها من الذخيرة لتسليح أوكرانيا، مما كشف عن محدودية قدرة القارة على إنتاج المواد العسكرية الأساسية.

يعمل المصنعون الآن على زيادة قدراتهم الإنتاجية، ولكن حتى مع جهود مثل خطط راينميتال لزيادة إنتاج البارود بنسبة 50% بحلول عام 2028، لا يزال العجز كبيرًا، أشار الرئيس التنفيذي لشركة راينميتال، أرمين بابرغر، إلى أن الإنتاج قد يحتاج إلى مضاعفة الإنتاج تقريبًا لتلبية الطلب المتزايد، ليصل إلى أكثر من 20000 طن متري.

وقد زاد مصنع نيتروكيميا أشاو في ألمانيا، وهو منتج رئيسي للبارود والمتفجرات، إنتاجه بالفعل بنسبة 60% منذ بداية الحرب، ويقوم حاليًا ببناء منشآت جديدة لإضافة 40% أخرى من طاقته الإنتاجية بحلول منتصف عام 2025.

وعلى الرغم من هذه الجهود، يواجه المصنعون العديد من العقبات في زيادة الإنتاج إلى المستويات المطلوبة من قبل قوات الدفاع الأوروبية.

اقرأ أيضا.. من الخوف إلى الفخر.. كيف تحول “المطلوب” في سوريا إلى وسام شرف؟

تحديات سلسلة التوريد

تُعد سلسلة التوريد المعقدة والعالمية للمواد المتفجرة من المشكلات الرئيسية التي تواجه المصنعين، يعتمد إنتاج المواد الدافعة، مثل النيتروسليلوز (قطن البارود)، بشكل كبير على القطن، وهو مادة خام لا تستطيع أوروبا إنتاجها بكميات كافية.

يُستورد القطن بشكل أساسي من الصين، التي تُمثل، على الرغم من كونها شريكًا اقتصاديًا لروسيا، نقطة ضعف في سلسلة توريد الدفاع الأوروبية، واستجابةً لذلك، سعت شركة Nitrochemie إلى تنويع مصادرها من وبر القطن من أوروبا ودول حليفة أخرى، إلا أن توريد المواد الخام لا يزال يُمثل تحديًا كبيرًا.

كما تُستورد مكونات أساسية أخرى، مثل حمض النيتريك، اللازم لإنتاج المتفجرات، من خارج أوروبا، حيث تأتي العديد من الإمدادات من الصين.

يؤكد خبراء صناعة الدفاع على ضرورة وضع استراتيجية دفاع وطني منسقة لتأمين هذه الموارد الحيوية وتقليل الاعتماد على الموردين غير الأوروبيين، وفي هذا السياق، صرّح مايكل بليندينغر، رئيس جمعية صانعي الأسلحة وتجارها الألمان، قائلاً: “على سبيل المثال، يُعد تأمين القطن موردًا يجب أن نوليه اهتمامًا أكبر”.

تقلبات السوق والحاجة إلى دعم حكومي

تتفاقم الحاجة الملحة لزيادة إنتاج الذخيرة في أوروبا بسبب ظروف السوق المتقلبة والبيئات التنظيمية المعقدة التي تعيق التوسع السريع في قدرات التصنيع.

قدّم برنامج ASAP التابع للاتحاد الأوروبي، والذي يُخصّص أموالًا لتوسيع إنتاج الذخائر، بعض الدعم المالي، إلا أنه لم يُعالج التحديات الهيكلية التي تواجهها شركات الدفاع بشكل كامل.

ووفقًا للخبراء، فإنّ نقص الاستثمار في قدرات التحويل من الاستخدام المدني إلى العسكري، وارتفاع تكاليف تحويل الإنتاج من الاستخدام التجاري إلى الاستخدام العسكري، يُصعّبان تلبية الاحتياجات العسكرية بسرعة.

كما أشار سفين شرودر، الجندي السابق والرئيس التنفيذي لشركة Essing Sprengtechnik، فإنّ العوائق التنظيمية قد تُسبّب تأخيرات كبيرة.

وقال: “تنتهي الحال بالشاحنات عالقةً على الحدود الأوكرانية لأسابيع، وقد يستغرق الحصول على الموافقات اللازمة لمواقع التخزين سنوات”. لا تُؤخّر هذه العقبات اللوجستية الشحنات فحسب، بل تُعيق أيضًا توسيع الطاقة الإنتاجية في جميع أنحاء القارة.

الضغوط الجيوسياسية والتداعيات الاستراتيجية

تواجه صناعة الدفاع الأوروبية ضغوطًا كبيرة في سعيها لتلبية احتياجات قارةٍ عالقةٍ في خضمّ أزمة جيوسياسية. لقد انتقلت روسيا، أكبر تهديد استراتيجي للقارة، بالفعل إلى اقتصاد حرب، مما زاد بشكل كبير من إنتاجها من الأسلحة والذخيرة. وفي ظل مواجهة أوروبا لضغوط مماثلة، يرى الخبراء أن الحاجة إلى إعادة التسلح بسرعة وفعالية لم تكن يومًا أكثر إلحاحًا.

صرح يواكيم بيتر، الرئيس المشارك لقطاع الصناعات الدفاعية العالمية في مجموعة برونزويك: “الوضع الآن أشبه بسباق نحو إعادة التسلح”. وأكد أن تزايد عسكرة الدول الاستبدادية مثل روسيا، إلى جانب ضعف القدرات الدفاعية الأوروبية، يؤكدان الحاجة إلى تسريع إنتاج الأسلحة والذخيرة والاستثمار فيها.

مسارٌ مُستقبلي: التغلب على التحديات وتعزيز القدرات

في ظلّ مواجهة أوروبا لهذه التحديات المُعقّدة، يُشدّد الخبراء على أهمية تبسيط اللوائح، وتحفيز تحوّل الصناعات الكيميائية المدنية نحو الإنتاج العسكري، وتأمين تمويل طويل الأجل لبرامج الدفاع. وبينما أحرزت القارة تقدّمًا في زيادة إنتاج الذخائر، يُحذّر الخبراء من ضرورة إيجاد حلول طويلة الأجل لمعالجة نقاط ضعف أوروبا في مواجهة سباق التسلح العالمي المُتّسع.

اقترح الاتحاد الأوروبي زيادةً في الإنفاق الدفاعي بقيمة 150 مليار يورو، مع تخصيص 1.5 مليار يورو إضافية للجهات الفاعلة في الصناعة بين عامي 2025 و2027. ومع ذلك، لا يزال إقرار هذه اللائحة من قِبَل البرلمان الأوروبي غير مؤكد.

ولكي تستجيب أوروبا بشكل كافٍ لاحتياجاتها الدفاعية، يجب عليها تخطّي هذه العقبات وضمان امتلاك قطاعها الدفاعي للموارد والبنية التحتية اللازمة لدعم قوة عسكرية حديثة ومستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى