إعادة بناء الجسور وتوحيد القارة.. ترامب يحيي علاقة بريطانيا والاتحاد الأوروبي

بعد خمس سنوات من تمزق علاقة بريطانيا والاتحاد الأوروبي بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد، تُمثل القمة المقرر عقدها يوم الاثنين بين قادة بريطانيا والاتحاد بداية فصل جديد محتمل في علاقتهما.

وفقا لتقرير نيويورك تايمز، يُسلط هذا الحدث، الذي من المرجح أن يُعلن عن اتفاقية دفاع وأمن تاريخية، الضوء على شراكة متطورة مدفوعة جزئيًا بضغوط خارجية، لا سيما الدور المتغير للولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، لقد دفعت سياسات إدارته، بما في ذلك الابتعاد عن الالتزامات التقليدية تجاه أوروبا، كلاً من بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في أولوياتهما والتعاون بشكل أوثق.

دور أمريكا في عهد ترامب: حافز للتعاون

تغير المشهد الجيوسياسي بشكل كبير منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تدفع أمريكا في عهد ترامب أوروبا إلى تحمل المزيد من المسؤولية، لا سيما في مجال الدفاع. ومع تقليص الولايات المتحدة لدورها في الدفاع والتجارة العالميين، حث ترامب الدول الأوروبية على تكثيف جهودها، وهو ما كان دافعًا رئيسيًا وراء التقارب الأخير بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

يُنظر إلى هذا التحول على أنه إعادة تنظيم استراتيجي، إذ يواجه الطرفان تحديات مشتركة، مثل التهديدات الأمنية من روسيا وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مما يجعل التعاون أكثر أهمية من أي وقت مضى.

خلال القمة، من المتوقع أن يناقش القادة اتفاقية دفاعية جديدة من شأنها تعزيز التعاون العسكري في ضوء العدوان الروسي في أوكرانيا والمخاوف الأمنية الأوسع نطاقًا في أوروبا، ويُدرك الاتحاد الأوروبي ضرورة تعزيز قدراته العسكرية، وهو يُكثّف في الوقت نفسه جهوده لتعزيز قطاعه الدفاعي، مُركزًا على التهديدات المحتملة لحدوده.

ومع ذلك، كانت المفاوضات حول تفاصيل الشراكة، وخاصة دور بريطانيا في مشاريع الدفاع، مثيرة للجدل، ففي حين ترددت بعض دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا، في منح بريطانيا دورًا بارزًا في صندوق مشتريات دفاعية بقيمة 150 مليار يورو، تُجادل دول أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة، بأن الخبرة الدفاعية البريطانية حيوية للأمن الأوروبي.

التعاون الاقتصادي: توازن دقيق

سيكون التعاون الاقتصادي أيضًا محورًا رئيسيًا للقمة. لطالما كانت اتفاقية التجارة لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مصدر خلاف، حيث استفاد الاتحاد الأوروبي منها بشكل كبير.

يحرص رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على تخفيف القيود التجارية، لا سيما في قطاعات مثل الأغذية والمنتجات الحيوانية، التي واجهت عقبات كبيرة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

مع ذلك، لا يزال موقف بريطانيا التفاوضي ضعيفًا، حيث أشار العديد من الخبراء إلى أن اتفاقية التجارة الحالية تُناسب الاتحاد الأوروبي، وسيكون من الصعب تعديلها بشكل جذري.

أوضح الاتحاد الأوروبي أنه لنجاح أي اتفاقية تجارية جديدة، قد يتعين على بريطانيا التوافق بشكل أوثق مع معايير الاتحاد الأوروبي، وربما قبول قرارات محكمة العدل الأوروبية – وهي خطوة قد تُنفّر مؤيدي خروج بريطانيا المتشددين في المملكة المتحدة.

أقرا أيضا.. حرب روسيا وأوكرانيا.. القوات الروسية منهكة وتريد غزو المزيد من الأراضي| تقرير

تنقل الشباب وحقوق الصيد: نقاط خلاف في المفاوضات

من أكثر القضايا حساسية في المفاوضات “خطة تنقل الشباب” المقترحة وحقوق الصيد. تهدف خطة تنقل الشباب إلى السماح للشباب بالعمل أو الدراسة أو السفر بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بسهولة نسبية.

مع ذلك، أدت رغبة بريطانيا في ضبط الهجرة إلى توترات حول نطاق الخطة، حيث يختلف الجانبان حول رسوم الجامعات ولوائح التأشيرات.

ويُعدّ مستقبل حقوق الصيد موضوعًا مثيرًا للجدل بنفس القدر. إذ يُريد الاتحاد الأوروبي تمديد وصوله إلى مياه الصيد البريطانية إلى ما بعد انتهاء الاتفاقية الحالية في عام 2026، لكن بريطانيا اقترحت تمديدًا أكثر محدودية، ربما لأربع سنوات فقط.

يُسلّط الخلاف حول حقوق الصيد الضوء على التحديات المستمرة للتوفيق بين مصالح الطرفين، لا سيما في المجالات التي تتعارض فيها المصالح الوطنية والاقتصادية.

فصل جديد في علاقة بريطانيا والاتحاد الأوروبي

على الرغم من التحديات، تُمثّل قمة يوم الاثنين خطوةً حاسمةً نحو إعادة بناء العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وفي حين أن القضايا المطروحة – الدفاع والتجارة والسيادة – لم تُحسم بعد، تُؤكّد القمة على الإدراك المتزايد لضرورة التعاون في عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة القائد العالمي كما كانت في السابق.

بالنسبة لكل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي، تُعدّ هذه فرصة سانحة لإثبات قدرتهما على تجاوز الانقسامات التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبناء شراكة براغماتية جديدة. ومع استمرار تطور المشهد الجيوسياسي والاقتصادي، سيكون لنجاح أو فشل هذا التعاون الجديد آثارٌ كبيرة على كلا الجانبين في السنوات القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى