إنجاز طبي غير مسبوق.. أول جراحة دماغية لمريض في حالة يقظة بعُمان

في سابقة تُعد من الأهم في تاريخ الطب العُماني، تمكن فريق طبي متكامل في مستشفى جامعة السلطان قابوس، التابع للمدينة الطبية الجامعية، من إجراء أول جراحة فتح جمجمة في وضع اليقظة في السلطنة – وهي عملية معقدة ودقيقة تُجرى فيما يظل المريض واعيًا بالكامل.
ووفقا لـ “مسقط ديلي”، يُمثل هذا الإجراء، الذي تضمن إزالة ورم من منطقة حساسة ووظيفية بالغ الأهمية من الدماغ، قفزة نوعية في القدرات الجراحية للبلاد، ويُبرز تحولا استراتيجيا نحو الابتكار والدقة والرعاية المُركزة على المريض في قطاع الرعاية الصحية العُماني.
جراحة معقدة تتطلب تعاونًا ودقة
أُجريت العملية بقيادة الدكتور غسان سالم السديري، استشاري أول جراحة الأعصاب، إلى جانب الدكتورة غصن الصديري وفريق من نخبة الأطباء العمانيين، واستمرت لعدة ساعات، وتطلبت تنسيقا سلسا بين خبراء الجراحة والتخدير والأعصاب.
وما يميز هذا النوع من جراحات الدماغ هو إبقاء المريض مستيقظا ومشاركا أثناء الجراحة؛ ما أتاح للفريق إجراء اختبارات عصبية آنية، والتفاعل مع ردود أفعاله للحفاظ على وظائف الدماغ الحيوية مثل الكلام والحركة والإدراك أثناء إزالة الورم بدقة.
وأشار الدكتور السديري إلى أن “التواصل المستمر مع المريض خلال الجراحة مكّن الفريق من تعديل خطته بدقة حسب الحاجة، وتجنّب أي خلل وظيفي محتمل”، مسلطا الضوء على كيف سمح التفاعل المستمر لهم بتعديل الاستراتيجية الجراحية فورا بناء على ملاحظات المريض.
لماذا تُعدّ جراحة فتح الجمجمة أثناء اليقظة مهمة؟
وتُعد جراحة فتح الجمجمة أثناء اليقظة من أكثر الإجراءات تقدما وتعقيدا في جراحة الأعصاب الحديثة.
وتُجرى هذه الجراحة في الحالات التي تقع فيها أورام الدماغ في مناطق تتحكم في وظائف الجسم الأساسية. ولا تتطلب هذه الجراحة مهارة تقنية فحسب، بل تتطلب أيضا انتباها شديدا لاستجابة المريض وحالته العقلية والنفسية طوال فترة الجراحة.
وأكد الفريق الجراحي أن بقاء المريض في حالة وعي يُقلل بشكل كبير من احتمال إصابته بمضاعفات عصبية خطيرة، مثل فقدان النطق أو القدرة الحركية، لأنه يتيح للجراحين تكييف خطواتهم الجراحية في اللحظة المناسبة، وفقا للتغذية الراجعة من المريض نفسه.
وأكد مستشفى جامعة السلطان قابوس أن هذه العملية “تُظهر الكفاءة والثقة المتنامية للكوادر الطبية الوطنية”، وتعكس التزام المستشفى الراسخ بأحدث الممارسات الطبية التي تُركز على المريض.
رؤية استراتيجية للرعاية الصحية تتماشى مع الطموحات الوطنية
وبعيدًا عن غرفة العمليات، تتوافق قصة النجاح هذه بشكل وثيق مع الرؤية طويلة المدى للمدينة الطبية الجامعية لترسيخ مكانة عُمان كمركز إقليمي وعالمي للرعاية الصحية المتطورة.
وترتكز هذه الرؤية على الاستثمار الاستراتيجي في التقنيات الطبية المتقدمة، والتدريب المكثف، وتمكين الكفاءات الوطنية.
وصرح مسؤولو المستشفى: “يُمثل هذا الإنجاز أكثر من مجرد انتصار جراحي، بل هو رمزٌ لنضج وجاهزية نظام الرعاية الصحية في عُمان”.
وأضافوا: “إنه يُثبت جاهزية مؤسساتنا لمواكبة أحدث التطورات العالمية وتقديم علاج عالمي المستوى محليًا”.
علامة بارزة في التميز الطبي العُماني
يمثّل هذا الحدث نقطة تحوّل في الاستقلالية الطبية الوطنية؛ إذ جرت العملية بالكامل بأيادٍ عُمانية، ما يُبرهن أن الخبرة المحلية قادرة اليوم على تحمل مسؤوليات كانت تُناط سابقًا بالكوادر الأجنبية أو تُحال لمراكز طبية خارج البلاد.
ويعزز نجاح جراحة بهذه الدقة والتعقيد بأيدي وطنية الثقة في المؤسسات الصحية المحلية، ويُرسّخ مستقبلًا تُصبح فيه عُمان مركزًا مرجعيًا في التخصصات الطبية الدقيقة.
اقرأ أيضا.. كل ما تريد معرفته عن تأشيرة الزيارة العائلية للسعودية 2025.. الشروط والخطوات والرسوم
التطلع إلى المستقبل: من النجاح إلى الابتكار المُستدام
ولا تعد هذه العملية حدثا منفصلا، بل تعبر عن تحول هيكلي في النظام الصحي العُماني، قائم على الجمع بين التقدم التكنولوجي، وتخصيص الرعاية، وتنمية المواهب. وهو توجه يعكس فلسفة وطنية تسعى لأن تكون عُمان في طليعة الدول التي تقدم رعاية صحية عالية الجودة بكفاءات محلية.
ومع توسع الاستثمارات في التعليم الطبي والتدريب التخصصي، فإن قصص النجاح هذه لا تُنقذ الأرواح فقط، بل تُشعل شرارة الثقة والفخر الوطني، وتعزز مكانة عُمان كدولة تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل طبي مستقل ومتطور.