إيران وإسرائيل في نزيف متبادل غير مسبوق.. خسائر بشرية ومادية مروعة في أعنف مواجهة مباشرة منذ عقود

في تطور خطير غير مسبوق، انزلق الصراع الإيراني الإسرائيلي نحو مواجهة مباشرة خطيرة وعنيفة تجاوزت الخطوط الحمراء الإقليمية. مع فجر الجمعة، أطلقت إسرائيل العنان لعملية جوية مكثفة على الأراضي الإيرانية تحت اسم “الأسد الصاعد”، استهدفت فيها منشآت نووية ومقرات قيادية للحرس الثوري.

وبعد أقل من 24 ساعة، جاء الرد الإيراني عبر عملية معقدة أطلق عليها “الوعد الصادق 3″، استخدمت فيها طهران موجات من الصواريخ والطائرات المسيرة لضرب العمق الإسرائيلي. وفيما لا تزال العمليات مستمرة، تبرز فداحة الخسائر، سواء في الأرواح أو في البنية التحتية لكلا الجانبين.

خسائر بشرية ثقيلة على الجانبين

الخسائر البشرية الناتجة عن هذا التصعيد العسكري الكارثي كانت صادمة من حيث الحجم والنوعية، خصوصا في صفوف القيادات العليا والعناصر المدنية.

في إيران:

أسفرت الضربات الإسرائيلية المكثفة عن مقتل ما لا يقل عن 78 شخصا، بحسب وكالة أنباء “فارس”، ومن بين القتلى، عدد كبير من كبار القادة العسكريين، وعلى رأسهم الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، واللواء محمد باقري، رئيس أركان الجيش الإيراني، بالإضافة إلى اللواء غلام علي رشيد، قائد مقر “خاتم الأنبياء” المشترك.

كما فقدت إيران ستة من أبرز علمائها النوويين، من بينهم الدكتور فريدون عباسي، الرئيس الأسبق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.

وإلى جانب ذلك، أصيب ما لا يقل عن 329 شخصا، معظمهم من المدنيين، نتيجة الضربات التي طالت مواقع تقع ضمن نطاقات سكنية، بما في ذلك العاصمة طهران، حيث اندلعت انفجارات عنيفة في مناطق مأهولة مثل الحاكمية وطهرانبارس.

في إسرائيل:

لم تكن الخسائر البشرية أقل وقعا في الجانب الإسرائيلي. فقد أعلنت هيئة الاسعاف الإسرائيلية، في أخر تحديث لها، مقتل ثلاثة مدنيين، وإصابة 172 آخرين في أنحاء متفرقة من البلاد.

وفي تل أبيب وحدها، كان قد أصيب 34 شخصا خلال الموجة الأولى من القصف الإيراني، بعضهم في حالات حرجة، كما أكدت صحيفة “هآرتس”.

وفي مدينة ريشون لتسيون وسط إسرائيل، سقط أحد الصواريخ الإيرانية على حي سكني، مما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة 19 آخرين.

كذلك أصيب سبعة أشخاص آخرين في ضربة لاحقة استهدفت أحد المباني وسط تل أبيب، وفقا لخدمات الطوارئ والإطفاء. وقد أدى الضغط على المستشفيات إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، مع استمرار إطلاق الصواريخ على فترات متقطعة.

خسائر مادية جسيمة… تدمير المنشآت الحيوية

لا تقل الخسائر المادية فداحة عن تلك البشرية، بل إنها تحمل في طياتها إشارات واضحة إلى أن البنية التحتية العسكرية والمدنية لكلا البلدين قد تلقت ضربات قاصمة.

داخل إيران:

فقد استهدفت الضربات الجوية الإسرائيلية بشكل دقيق البنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية.

فقد تعرضت منشأة نطنز النووية – التي تُعد من أهم مراكز تخصيب اليورانيوم – لهجوم مباشر، كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أشارت في الوقت ذاته إلى أنها لم ترصد تسربا إشعاعيا.

كما تعرض مقر الحرس الثوري الإيراني في طهران لدمار واسع، حيث شوهدت ألسنة النيران تتصاعد من المبنى، في مشهد بثه التلفزيون الرسمي.

كما طال القصف مطار مهرآباد الدولي، حيث أصيبت حظائر الطائرات والمرافق الملحقة به، وفقا لما نشرته وكالة تسنيم.

ولم تتوقف الضربات عند ذلك، فقد أكد الجيش الإسرائيلي أنه استهدف أكثر من 100 موقع عسكري ونووي في أنحاء متفرقة من إيران، بما في ذلك مواقع صاروخية ومراكز تحكم ورادارات، وشبكات الدفاع الجوي في طهران.

وقال البيان العسكري الإسرائيلي إن هذه الموجة من الضربات نفذتها 200 طائرة حربية انطلقت من قواعد في إسرائيل وفي مناطق غير معلنة.

داخل إسرائيل:

كانت الخسائر المادية في إسرائيل شديدة بدورها بعد رد إيران غير المسبوق من حيث القوة والحجم، حيث وصلت الصواريخ الإيرانية وصلت إلى مناطق حيوية لم تكن معتادة على تلقي ضربات مباشرة.

في تل أبيب، تضررت مبانٍ سكنية ومراكز تجارية بعدة صواريخ، فيما اندلعت حرائق ضخمة تطلبت تدخل فرق الإطفاء لأكثر من 12 ساعة متواصلة.

وفي وسط البلاد، أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدمير أربعة منازل بشكل كامل في مدينة ريشون لتسيون نتيجة سقوط صاروخ بعيد المدى.

كما تضررت شبكة الكهرباء في بعض الأحياء الجنوبية للقدس، ما أدى إلى انقطاع الخدمة عن مئات الأسر.

وإضافة لذلك، ذكر الجنرال أحمد وحيدي، مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية أن إيران استهدفت أكثر من 150 موقعا داخل إسرائيل، مشيرا إلى أن بعض الصواريخ الإيرانية أصابت محيط قاعدة نواتيم الجوية، حيث تتمركز طائرات F-35، ومراكز قيادة حيوية في تل أبيب، ومقر وزارة الدفاع، ومراكز الحرب الإلكترونية.

وفي المقابل، ما زالت إسرائيل تتكتم على حجم الخسائر جراء الضربة الإيرانية، حيث دعا الجيش الإسرائيلي السكان إلى عدم نشر أو مشاركة مواقع وفيديوهات عن أماكن سقوط الصواريخ الإيرانية.

وأضاف في بيان أن “العدو يراقب هذه التوثيقات من أجل تحسين قدراته الهجومية”.

 

ارتباك أمريكي وتضارب في التصريحات

رغم نفي الولايات المتحدة أي تورط مباشر في الضربات الإسرائيلية، وصف الرئيس السابق دونالد ترامب الهجوم بأنه “ممتاز”، ما أثار جدلاً واسعًا حول دعم واشنطن الضمني للعمليات.

وقال مسؤول أمريكي لقناة “نيوز نيشن” إن “واشنطن لم تشارك في الهجوم”، إلا أن انسحاب إيران من المفاوضات النووية مع أمريكا وإسرائيل يشير إلى تحميل طهران للولايات المتحدة جانبًا كبيرًا من المسؤولية.

القلق الدولي يتصاعد: دعوات لوقف التصعيد

على المستوى الدولي، عبّر قادة العالم عن مخاوفهم من اندلاع حرب إقليمية شاملة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: “كفى تصعيدًا، يجب أن يسود السلام والدبلوماسية”. فيما دعت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى “أقصى درجات ضبط النفس”، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.

وأُجِّل مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين، الذي كان مقررًا عقده في نيويورك، في خطوة تُظهر حجم التوتر وتأثيره على الجهود الدبلوماسية في المنطقة.

اقرأ أيضا.. خبراء: ضربات إسرائيل تأثيرها محدود والمنشآت النووية تحت الأرض سليمة

أفق غامض وصراع قد يطول

بينما يستمر تبادل القصف وتصاعد الأضرار، تتزايد المخاوف الدولية من خروج الأمور عن السيطرة بشكل كامل. ومع تعمق الجراح، سواء في الأرواح أو الممتلكات، يبدو أن الطرفين يتجهان نحو نزاع طويل الأمد، تتلاشى فيه فرص العودة إلى طاولة الحوار.

وبينما حذر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من أن “إسرائيل لن تنجو بسلام”، تمضي تل أبيب في تهديداتها بتوسيع العملية إذا استمرت الهجمات الإيرانية، في وقت تتصاعد فيه نداءات المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار والعودة إلى المسار الدبلوماسي.

زر الذهاب إلى الأعلى