احتلال الأراضي لن يحقق الأمن لإسرائيل.. إقامة الدولة الفلسطينية السبيل الوحيد للسلام

في عصرٍ تُعرّف فيه القوة الوطنية بشكلٍ متزايد بالقوة الاقتصادية، والنزاهة المؤسسية، والشرعية العالمية، فإن الاعتقاد بأن الأرض المادية هي أهم أصول الدولة يفقد أهميته بسرعة.

يجادل الكاتب والمعلق السياسي السعودي علي الشهابي بأن التوسع الإسرائيلي المستمر – على حساب الشعب الفلسطيني – ليس محفوفًا بالمخاطر الأخلاقية فحسب، بل مُضلّل استراتيجيًا أيضًا.

يؤكد الشهابي، بحسب مقاله بفاينانشال تايمز، أن سعي إسرائيل إلى المزيد من الأراضي، وخاصةً في الضفة الغربية وغزة المحتلتين، يعكس رؤية عالمية عفا عليها الزمن بشكلٍ خطير.

لقد رسّخت دورة النزوح والعنف والتطرف الناتجة عن ذلك مستقبلًا من الخوف والصراع الدائم لكلٍ من الإسرائيليين والفلسطينيين.

في عالم اليوم، لم يعد مفهوم أن الأرض كضمان للأمن قائمًا، لا سيما مع تطور التقنيات التي تُمكّن الجهات الفاعلة غير الحكومية من إلحاق الضرر عن بُعد.

الوهم الاستراتيجي للأمن عبر الأرض

يرى الشهابي أن من المغالطات الجوهرية في الاستراتيجية الإسرائيلية الاعتقاد الراسخ بأن السيطرة على المزيد من الأراضي تضمن أمنًا مستدامًا. لعقود.

برر هذا المبدأ الاحتلال والحملات العسكرية، مدعيًا أن “العمق الإقليمي” ضروري لمنع الهجمات.

مع ذلك، وكما تُظهر التهديدات الأخيرة من الصواريخ الباليستية – التي تُطلق من أماكن بعيدة كاليمن – فإن الحروب الحديثة تُلغي جدوى الحواجز الجغرافية.

فالتقدم التكنولوجي، بما في ذلك انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، سيزيد من تآكل قيمة السيطرة على الأراضي. بل إن الاحتلال يُفاقم العنف الذي يسعى إلى تجنبه، مُغذيًا التطرف، ومُزيدًا من عسكرة المجتمع الإسرائيلي وعزلته.

التكلفة الباهظة للتوسع

يُحذر الشهابي من أن الثمن الذي تدفعه إسرائيل مقابل سياساتها التوسعية باهظ: عزلة دولية متزايدة، ومخاطر متزايدة على الجاليات اليهودية العالمية، وصدمات نفسية عميقة بين مواطنيها، ومزيد من زعزعة استقرار منطقة مُضطربة أصلًا.

يصف إسرائيل بأنها دولة “متجمدة في الزمن” – تحكمها الأيديولوجية، وتدعمها القوة العسكرية، وتنتهك المعايير الدولية مرارًا وتكرارًا من خلال العقاب الجماعي والتمييز المنهجي.

يُصوّر مؤيدو الوضع الراهن مأزق إسرائيل على أنه تهديد وجودي من منطقة معادية، لكن الشهابي يرفض هذه الرواية باعتبارها تحريفًا.

ويؤكد أن الكثير من العنف الذي تواجهه إسرائيل هو رد فعل على الاحتلال وعقود من التهجير، مما يُمكّن المتطرفين ويُضعف آفاق الاعتدال والتسوية.

أقرا أيضا.. حمى الذهب القمرية.. تريليون دولار من المعادن الثمينة على القمر “دراسة”

فرص السلام الضائعة من جميع الأطراف

في حين يُحمّل الشهابي إسرائيل المسؤولية الرئيسية – نظرًا لقوتها الساحقة – إلا أنه يُقر أيضًا بأن القيادة الفلسطينية قد خذلت شعبها في لحظات حاسمة من خلال الانقسامات الداخلية وأضاعت فرص المصالحة الحقيقية. وقد سمح هذا أيضًا للمتشددين بالهيمنة واستمرار الصراع.

ومع ذلك، يُصرّ على أن إسرائيل وحدها تمتلك القدرة والمسؤولية لتغيير المسار. يظل طريق السلام – وإن ضاقت به السبل مع كل استيطان جديد، وغارات جوية، وانتهاك للحقوق – مفتوحًا إذا دعمت إسرائيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

الطريق الحقيقي نحو الأمن الدائم

يرى الشهابي أن الأمن الحقيقي لا يتحقق عبر الجدران والأسلحة والخوف. فإسرائيل، دولة يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة فقط، محاطة بمئات الملايين من العرب والمسلمين، لا يمكنها ضمان مستقبلها إلا من خلال تعاون إقليمي حقيقي وسلام تحتضنه المجتمعات المجاورة – لا تفرضه الحكومات فقط.

يختتم بخيار واضح: إما أن تواصل إسرائيل مسارها من العنف المستمر والإدانة العالمية، أو أن تغتنم فرصة التكامل الإقليمي، وإقامة دولة فلسطينية، وتحقيق الأمن الدائم. وإلى أن تُتخذ خطوات ملموسة نحو حل الدولتين – مما يمنح الفلسطينيين أملًا حقيقيًا – ستبقى إسرائيل عالقة في دوامة صراع كارثية.

زر الذهاب إلى الأعلى