اختفاء المئات في ظروف غامضة.. هل فشلت أوروبا في حماية أطفال اللاجئين؟

كشفت تقارير رسمية أن بلجيكا رقمًا صادمًا في ملف حماية الأطفال اللاجئين، حيث اختفى 774 طفلاً أجنبيًا غير مصحوبين بذويهم، وفق بيانات نشرتها صحيفة دي ستاندارد البلجيكية، بناءً على معطيات حصل عليها النائب عن حزب الخضر، ماتي فانديميلي.
وما يثير القلق أن 101 حالة من هذه الاختفاءات تم تصنيفها رسميًا بأنها “اختفاءات مثيرة للقلق”، تشمل أطفالًا دون سن الثالثة عشرة، أو من يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية، أو كانوا في بيئات خطرة لحظة اختفائهم.
وبينما عُثر لاحقًا على 246 من هؤلاء الأطفال، ظل أكثر من 500 آخرين مجهولي المصير، في ظل شبه غياب لأي إشارات تقود إلى أماكن وجودهم.
دعوات لمحاسبة الحكومة البلجيكية
النائب البلجيكي فانديميلي شنّ هجومًا لاذعًا على الحكومة، قائلًا: “القاصرون الأجانب غير المصحوبين معرضون للخطر بشكل كبير. إن فشل حكومتنا في حمايتهم هو فشل ذريع”.
ودعا فانديميلي وزيرة اللجوء والهجرة، أنيلين فان بوسويت، ووزيرة العدل، أنيليس فيرليندن، إلى تعزيز آليات الحماية، ومنها تعيين وصي قانوني لكل طفل عند وصوله، وتوفير دعم نفسي واجتماعي فوري، وضمان عدم ترك القاصرين في فراغ قانوني أو بيئي يسمح باستغلالهم.
كما طالب الحكومة البلجيكية بلعب دور أكثر فاعلية في إطلاق خطة عمل أوروبية لمكافحة حالات اختفاء القاصرين، وهي خطة دعت إليها في وقت سابق منظمة Child Focus المختصة بحماية الأطفال.
تحقيقات تكشف عن شبكة استغلال أوروبية
المأساة لا تقتصر على بلجيكا. ففي يونيو 2024، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقًا استقصائيًا خلص إلى أن مئات الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم في أوروبا يُجبرون على العمل ضمن عصابات تهريب مخدرات، خاصة شبكات الكوكايين المتغلغلة في باريس وبروكسل ومدن أوروبية أخرى.
وأفاد التحقيق بأن شبكات الإجرام هذه تستغل الوضع القانوني الهش للأطفال اللاجئين، وتفرض عليهم أعمالًا خطيرة، تحت تهديد التعذيب أو الاغتصاب إن لم ينجحوا في “مهماتهم”.
كما حذرت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) من أن هذه العصابات، التي تقدر أرباحها السنوية من الكوكايين فقط بـ11.8 مليار يورو، توسّع نشاطها عبر استغلال “العدد غير المحدود” من الأطفال الضعفاء، خصوصًا الأفارقة الذين يدخلون أوروبا دون مرافقة أسرية.
صمت رسمي وتقديرات مخيفة
تشير وثيقة سرية للشرطة الفيدرالية البلجيكية، أُعدّت لصالح يوروبول، إلى أن “الآلاف من القاصرين غير المصحوبين يعبرون حدود الاتحاد الأوروبي سنويًا، ويختفون دون أن يُترك وراءهم أي أثر”، مضيفة أن “عددًا كبيرًا منهم يتم استقطابه من قبل شبكات إجرامية للاستغلال، ما يفاقم الصدمة النفسية التي يمرون بها أصلًا”.
وتؤكد الوثيقة أن هذا الاستغلال يتم عبر مسارات تهريب محكمة التنظيم، تبدأ منذ لحظة دخول الطفل أوروبا، وقد تشمل “شحنهم” إلى دول بعيدة للعمل القسري أو التسول أو الدعارة أو التهريب.
فشل أوروبي في إدارة أزمة الطفولة اللاجئة
مع تكرار هذه الظاهرة عامًا بعد عام، وتسجيل أرقام مشابهة في 2023، يبرز سؤال مشروع بحسب مراقبون هل فشلت أوروبا، بمؤسساتها وآلياتها الأمنية والقضائية، في حماية الأطفال اللاجئين؟
يبدو أن الجواب يتجه نحو نعم. إذ لا توجد حتى اللحظة خطة أوروبية موحدة وملزمة للتعامل مع ملف القاصرين غير المصحوبين، بينما تستمر الحكومات الوطنية في ترحيل المسؤولية أو غض الطرف عن تفاصيل مصير هؤلاء الأطفال، الذين غالبًا ما يتوارون خلف جدران صامتة أو يُدفنون في عوالم الإجرام والاستغلال.
تحذيرات حقوقية
المنظمات الحقوقية، كـيونيكف وأنقذوا الطفولة، دعت مرارًا إلى تعديل البنية القانونية الأوروبية الخاصة بالقاصرين المهاجرين، وضمان وجود قاعدة بيانات موحدة لرصدهم وتتبعهم، وتسهيل التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن حالات اختفائهم.
لكن رغم هذه الدعوات، لا يزال الواقع على الأرض يشير إلى ثغرات فادحة في نظم الحماية، تقود مئات الأطفال سنويًا إلى المصير المجهول، وتفتح أبواب أوروبا لواحدة من أكثر الجرائم صمتًا ووحشية في القرن الحادي والعشرين.
اقرا أيضا.. مدينة إنسانية على أنقاض رفح.. تفاصيل مخطط إسرائيل الجديد لتهجير سكان غزة