استثمارات سعودية غير مسبوقة في دمشق.. هل تقود المملكة قاطرة إعادة الإعمار في سوريا؟

شهدت العاصمة السورية دمشق، الأربعاء، حدثًا اقتصاديًا لافتًا تمثّل في إطلاق أول مصنع للإسمنت الأبيض في البلاد، إلى جانب وضع حجر الأساس لمشروع “برج الجوهرة” وسط العاصمة.

وذلك بحضور وزير الاقتصاد والصناعة السوري الدكتور محمد نضال الشعار، ووزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، في خطوة تُعد مؤشرًا قويًا على بدء مرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية بين دمشق والرياض.

السعودية تدشن أول مصنع إسمنت أبيض في سوريا

افتُتح في مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق، مصنع “فيحاء” للإسمنت الأبيض، وهو أول مشروع من نوعه في سوريا، باستثمار سعودي مباشر بلغت قيمته 20 مليون دولار، وفق ما أعلنه الدكتور عبيد سبيعي، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات إسمنت المنطقة الشمالية، خلال حفل الافتتاح.

وبحسب سبيعي، فإن المشروع يوفر 130 فرصة عمل مباشرة، إلى جانب أكثر من ألف فرصة غير مباشرة في القطاعات اللوجستية والنقل والمقاولات المرتبطة بالإنتاج الصناعي، مشيرًا إلى أن المصنع يأتي في إطار خطة متكاملة لدعم قطاع البناء والمساهمة في عملية إعادة الإعمار.

“برج الجوهرة”… مشروع عقاري فاخر وسط دمشق

وفي نفس اليوم، وضع الوزيران الشعار والفالح حجر الأساس لمشروع “برج الجوهرة” في حي البحصة وسط العاصمة، وهو مشروع عقاري ضخم تصل كلفته التقديرية إلى 100 مليون دولار أمريكي.

وسيتألف البرج من 32 طابقًا تضم شققًا فندقية، ومكاتب تجارية وإدارية، ما يضيف طابعًا معاصرًا للبنية التحتية للعاصمة التي بدأت تشهد مشاريع استثمارية كبرى لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية.

وفد اقتصادي سعودي يضم 130 مستثمرًا يصل دمشق

بالتزامن مع هذه المشاريع، وصل إلى مطار دمشق الدولي وفد سعودي يضم أكثر من 130 رجل أعمال ومستثمرًا، برئاسة وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح.

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الزيارة تهدف إلى توقيع اتفاقيات تعاون واستكشاف فرص استثمارية في مختلف القطاعات السورية.

وكان في استقبال الوفد عدد من الوزراء السوريين، بينهم وزير الاقتصاد والصناعة، ووزير الطاقة محمد البشير، ووزير الاتصالات عبد السلام هيكل، بالإضافة إلى السفير السعودي لدى سوريا الدكتور فيصل بن سعود المجفل، في مشهد رسمي يؤكد حجم التنسيق بين الطرفين.

منتدى استثماري سعودي سوري الأول من نوعه

وأعلنت وزارة الاستثمار السعودية عشية الزيارة عن إطلاق منتدى استثماري سعودي-سوري في دمشق، يُعد الأول من نوعه منذ أكثر من عقد،

ويهدف إلى تعزيز الشراكة الثنائية ودعم التنمية المستدامة، واستكشاف أفق التعاون في مجالات الطاقة، الإسكان، الصناعة، والتكنولوجيا.

وقالت الوزارة إن المنتدى يأتي في إطار رؤية المملكة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، وفتح مجالات للتعاون الإقليمي، خاصة في الدول التي تسعى لاستعادة عافيتها الاقتصادية بعد صراعات طويلة.

سوريا ما بعد الحرب… وجهة جديدة لرأس المال الخليجي؟

يرى مراقبون أن التحركات السعودية الأخيرة باتجاه سوريا، وبهذا الحجم من الاستثمارات، قد تمهّد الطريق لعودة تدريجية لرؤوس الأموال الخليجية إلى السوق السورية، بعد عزلة دامت سنوات بفعل الحرب والعقوبات الغربية.

ويعتقد كثيرون أن المملكة تسعى من خلال هذه المشاريع إلى لعب دور محوري في قيادة جهود إعادة الإعمار في سوريا، ضمن رؤية متوازنة تجمع بين المصالح الاقتصادية والدور الإقليمي المتجدد للمملكة، خاصة مع تغير خارطة التحالفات في المنطقة، وتراجع النفوذ الإيراني والروسي نسبيًا في الداخل السوري.

مستقبل العلاقات الاقتصادية بين دمشق والرياض

تشير الخطوات الأخيرة إلى بداية مرحلة جديدة في العلاقات السورية-السعودية، تتجاوز القطيعة السياسية إلى شراكة اقتصادية استراتيجية. فالمصنع الجديد، والبرج الفاخر، والمنتدى الاستثماري، كلها رسائل تؤكد استعداد الطرفين لتجاوز الماضي والانخراط في مشاريع طويلة الأمد، قد تفتح الباب أمام استثمارات إضافية من دول خليجية أخرى.

وفي ظل حاجة سوريا الماسّة لإعادة بناء بنيتها التحتية واقتصادها المنهك، تبقى الاستثمارات السعودية فرصة محورية لدمشق، ليس فقط لتعويض النقص المالي، بل أيضًا لاكتساب شراكات إقليمية تفتح أفقًا اقتصاديًا أرحب.

اقرأ أيضا

ليبيا على طاولة ترامب.. ماذا وراء عرض الـ 70 مليار من الدبيبة؟

زر الذهاب إلى الأعلى