اقتراح ترامب بشأن غزة يشعل غضب الأردن ويثير مخاوفها

القاهرة (خاص عن مصر)- أثار اقتراح الرئيس دونالد ترامب بنقل الفلسطينيين قسرا من غزة إلى الدول المجاورة غضبا واسع النطاق في الأردن.

تعتبر المملكة الهاشمية، التي تضم ملايين اللاجئين الفلسطينيين، هذه الخطة تهديدا مباشرا لاستقرارها. وأكد الملك عبد الله الثاني، الذي من المقرر أن يلتقي ترامب في واشنطن، باستمرار أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

وفقا لتحليل واشنطن بوست، أدى اقتراح ترامب المثير للجدل، والذي يتصور أن الولايات المتحدة “تستولي” على غزة وتحولها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، إلى زيادة المخاوف في عمان. ويحذر الخبراء من أن التدفق الإضافي للفلسطينيين النازحين قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأردن، الذي يعاني بالفعل من صراعات اقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، والموارد المحدودة.

المساعدات الأمريكية كأداة ضغط

إن اعتماد الأردن على المساعدات الأميركية ــ التي تبلغ نحو 1.5 مليار دولار سنويا ــ وضع المملكة في موقف محفوف بالمخاطر. ولقد ألمح ترمب إلى استخدام هذه المساعدات المالية كوسيلة ضغط لإجبار عمان على الامتثال لخطته بشأن غزة. ولكن أي تسوية من جانب القيادة الأردنية قد تؤدي إلى تأجيج الاضطرابات الداخلية.

وتحذر ديما طوقان، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، من أن الخفض الدائم للمساعدات الأميركية من شأنه أن يخلف “عواقب وخيمة على الاقتصاد والأمن الإنساني”. وفي الوقت نفسه، اقترحت شخصيات معارضة التطلع إلى الصين وروسيا والدول العربية الغنية للحصول على دعم مالي واستراتيجي بديل.

ردود الفعل الشعبية والسياسية

منذ بدء الحرب في غزة، نظم الأردنيون العديد من الاحتجاجات، وحثوا حكومتهم على قطع العلاقات مع إسرائيل وبذل المزيد من الجهود لدعم الفلسطينيين. وفي يوم الجمعة، تحدى المئات الطقس البارد الممطر في عمان للتجمع ضد اقتراح ترمب، معربين عن دعمهم لموقف الملك.

وقد أدان زياد، وهو متظاهر يبلغ من العمر 60 عاما، ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائلا: “إذا كان الموقف الأردني الرسمي والشعبي موحدا، فلن تنجح خططهم”.

ولكن المعارضة ليست خالية من الانقسامات الداخلية. فقد انتقد النائب الإسلامي ينال فريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في إحدى المظاهرات، محذرا: “سندعمك عندما تكون في صفنا، ولكن إذا كنت تفكر في التصرف والتحدث بشكل مختلف، فلن ندعمك بعد الآن”.

وقد استفاد حزب فريحات، جبهة العمل الإسلامي، من السخط العام في الانتخابات الأخيرة، ففاز بنسبة 22٪ من المقاعد في البرلمان الأردني – وهي علامة واضحة على تحول الديناميكيات السياسية.

اقرأ أيضًا: ترامب سيدعم أوكرانيا مقابل احتياطياتها من المعادن النادرة

التوترات التاريخية والمخاوف الديموغرافية

يستضيف الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني مسجل، على الرغم من أن الخبراء يعتقدون أن العدد الفعلي يتجاوز 50٪ من السكان. ويرجع معظمهم جذورهم إلى الحروب العربية الإسرائيلية في عامي 1948 و1967، عندما أعادت عمليات النزوح الجماعي تشكيل المنطقة.

وعلى الرغم من منح الجنسية للعديد من اللاجئين، فإن الأردن ينظر منذ فترة طويلة إلى الوجود الفلسطيني المتزايد باعتباره تهديداً للملكية. ولا تزال ذكرى أحداث أيلول الأسود (1970)، عندما قمع الملك حسين بعنف انتفاضة فلسطينية مسلحة، تشكل لحظة حاسمة في التاريخ الأردني.

ويوضح عالم السياسة محمد بني سلامة أنه إذا شكل الفلسطينيون أغلبية، فإنهم سيطالبون بتمثيل سياسي أكبر، وهو ما قد يؤدي إلى تعطيل هيكل السلطة في الأردن.

التحديات الاقتصادية والإنسانية

إلى جانب المخاطر السياسية، يحذر الخبراء من أن استيعاب المزيد من اللاجئين من شأنه أن يفرض ضغوطاً لا تطاق على الاقتصاد الأردني المتعثر بالفعل. ويبلغ معدل البطالة بين الشباب 46%، وتحتل البلاد مرتبة بين أكثر الدول ندرة في المياه في العالم.

تعترف نورهان طارق فخر الدين، وهي أردنية من أصل فلسطيني، بارتباطها العميق بغزة ولكنها تحذر: “لا يمكننا أن نستقبل أي شخص بعد الآن إذا أردنا أن يكون الاقتصاد أفضل”.

واقع قاتم للاجئين في غزة

يشير تعامل الأردن مع اللاجئين من أصل غزة إلى أن أي وافدين جدد سيواجهون ظروفاً قاسية. ويظل مخيم جرش للاجئين، الذي يأوي أكثر من 35 ألف نازح فلسطيني، تذكيراً صارخاً بهذا الواقع. فمعظم السكان يفتقرون إلى الجنسية الأردنية، الأمر الذي يحد من قدرتهم على الحصول على التعليم والرعاية الصحية والتوظيف.

إيمان، خريجة جامعية تبلغ من العمر 26 عاماً، عاطلة عن العمل منذ سنوات بسبب عدم قدرتها على الحصول على تصريح عمل. وهي تتذكر قصصاً من غزة عن “البحر والبرتقال والأسماك”، لكنها تقول إن حياتها في الأردن تبدو “مؤقتة” بشكل دائم.

وحتى داخل مخيم جرش، يحذر اللاجئون سكان غزة من ارتكاب نفس الخطأ. وتحذر إيمان: “الناس هنا سيقولون لهم: لا تكرروا نفس الخطأ”.

الأردن والموقف المتحدي

على الرغم من الضغوط المتزايدة، يظل المسؤولون الأردنيون ثابتين في رفضهم لخطة ترامب. تدعم المملكة الدولة الفلسطينية وتصر على أن المكان الصحيح للفلسطينيين هو وطنهم.

يلخص حسن سليمان، وهو بائع أردني، المشاعر: “من نحن حتى نخرجهم من أرضهم؟”

مع تصاعد التوترات، يحذر النشطاء من أنه إذا حاول ترامب إجبار الأردن، فقد يكون الرد شديدًا. حتى أن حمزة خضر، وهو ناشط سياسي أردني فلسطيني، دعا إلى إعادة التجنيد العسكري وتسليح الجماعات الفلسطينية المسلحة.

مع اقتراب زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن، تقف الأردن عند مفترق طرق. فهل تقاوم الضغوط الأمريكية على حساب الاستقرار المالي، أم أنها ستقدم تنازلات قد تؤدي إلى إشعال الاضطرابات الداخلية؟ في كلتا الحالتين، هز اقتراح ترامب بشأن غزة أسس هوية الأردن ومستقبله.

زر الذهاب إلى الأعلى