اقتصاد الحرب.. متى تلجأ مصر لتطبيقه وهل الدولة مقبلة على مرحلة صعبة في تاريخها؟

في ظل التطورات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، تحدث المهندس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن احتمال تطبيق ما يسمى “اقتصاد الحرب” في حالة دخول المنطقة في حرب إقليمية.

وجاءت هذه التصريحات على خلفية الاضطرابات الإقليمية التي قد تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري، خاصة في حال تأثر إمدادات البترول أو استهداف مشروعات البنية التحتية في المنطقة، ما سيزيد من الأعباء المالية على الحكومة والشعب المصري.

والسؤال الذي قد يطرحه الكثيرون، ما هو اقتصاد الحرب؟، وماذا يعني تطبيقه؟، والتأثير المحتمل لحدوث مثل هذا الأمر، وهو ما سنستعرضه في التقرير التالي من خاص عن مصر.

اقرأ أيضًا: ما وراء الكواليس.. كيف أعادت مصر وروسيا إحياء مشروع مدينة الشمس بقناة السويس؟

ما هو اقتصاد الحرب؟

“اقتصاد الحرب” هو نظام اقتصادي استثنائي تلجأ إليه الدول عندما تواجه تهديدات مباشرة تتطلب تحويل موارد الدولة نحو المجهود الحربي.

ويتميز هذا النظام بتوجيه جزء كبير من الاقتصاد الوطني نحو دعم الأنشطة العسكرية والصناعات المتعلقة بالدفاع، وهذا يعني فرض قيود صارمة على بعض الأنشطة المدنية، تقليص الإنفاق العام في القطاعات غير العسكرية، وزيادة الاعتماد على الموارد المحلية للحد من الاستيراد الخارجي.

والهدف الأساسي من اقتصاد الحرب هو تعزيز قدرات الدولة على مواجهة التهديدات الخارجية وضمان استمرارية النشاط العسكري، وتشمل هذه التحولات عادةً تعديل السياسات المالية والتجارية لتوفير التمويل اللازم للقوات المسلحة، مع فرض قيود على الصناعات المدنية غير الضرورية.

اقتصاد الحرب
اقتصاد الحرب

تأثير اقتصاد الحرب على الدول والشعوب

وعندما يتم تطبيق اقتصاد الحرب، تشهد الدولة مجموعة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العميقة، ومن أبرز هذه التأثيرات، زيادة الإنفاق العسكري، حيث يصبح الإنفاق العسكري هو الأولوية القصوى، حيث توجه الموارد المالية نحو تعزيز قدرات الجيش، سواء عبر شراء أسلحة أو تطوير البنية التحتية العسكرية، مما يؤدي إلى تقليل الإنفاق على القطاعات المدنية مثل التعليم والصحة.

كما يتم تقليص الأنشطة الاستهلاكية، عبر فرض قيود على الاستهلاك اليومي من خلال تقنين السلع الأساسية، وقد يتم فرض ضرائب إضافية على بعض المنتجات لتمويل الجهود الحربية، وبالإضافة إلى ذلك قد يسبب اقتصاد الحرب تأثير سلبي على الاستثمار الخاص.

اصطفاف الجيش المصري
اصطفاف الجيش المصري

ففي ظل عدم الاستقرار، قد يتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر والخاص في القطاعات غير العسكرية، حيث أن المستثمرون يميلون إلى الحذر في فترات الحرب، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

علاوة على ذلك، فإن اقتصاد الحرب يتسبب في الغالب في ارتفاع الأسعار والتضخم، حيث أن زيادة الإنفاق العسكري وتقليل الإنتاج المدني يمكن أن يؤدي إلى تضخم في الأسعار، خاصة للسلع الأساسية، ومع ارتفاع أسعار البترول عالمياً، قد يتأثر الاقتصاد بزيادة تكاليف الاستيراد.

وإلى جانب ماسبق، توجد تأثيرات اجتماعية، ومنها فرض قيود على الأنشطة الاستهلاكية وتوجيه الموارد نحو الجهود العسكرية، مما قد يزيد من حالة التوتر الاجتماعي، ففي كثير من الأحيان، يطلب من المواطنين تقديم تضحيات من أجل دعم المجهود الحربي.

اقرأ أيضًا: مستقبل شركات قطاع الأعمال العام في مصر.. تطوير أم تصفية؟

متى تلجأ الدول إلى اقتصاد الحرب؟

وتلجأ الدول إلى اقتصاد الحرب في حالة اندلاع نزاعات مسلحة تستدعي تعبئة الموارد الوطنية لدعم المجهود العسكري، ويحدث ذلك عندما تواجه الدولة تهديدًا مباشرًا لأمنها الوطني أو عندما تنخرط في صراع طويل الأمد.

وقد يكون هذا القرار نتيجة لتفاقم التوترات الإقليمية، أو استجابة لهجوم على الأراضي أو البنية التحتية الحيوية،كما قد يتم تطبيق اقتصاد الحرب في حالة الكوارث الكبرى التي تتطلب توجيه جميع الموارد لتجاوز الأزمة.

اقتصاد الحرب
اقتصاد الحرب

هل تحتاج مصر إلى تطبيق اقتصاد الحرب؟

وفي ظل التحديات الاقتصادية الحالية التي تواجهها مصر، يمكن التساؤل عما إذا كانت البلاد بحاجة إلى تطبيق اقتصاد الحرب، وحتى الآن مصر لم تدخل في صراع مباشر، ولكن الاضطرابات الإقليمية، مثل الصراعات في دول الجوار وارتفاع أسعار البترول عالميًا، تضغط بشدة على الاقتصاد المصري.

وتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي تشير إلى أن تطبيق اقتصاد الحرب سيكون خيارًا في حال تعرض البلاد لتهديد مباشر أو دخول المنطقة في حرب واسعة النطاق، وهذا الخيار يعتمد على تقدير الحكومة للتأثيرات المحتملة للنزاعات على الأمن القومي والبنية التحتية​.

ولكن في النهاية لا يمكن استبعاد فكرة تطبيق هذا النظام حيث أن المنطقة يشوبها التوترات، وتشتعل الصراعات بجميع الاتجاهات حول الدولة المصرية، ففي الجنوب تجد الصراع في السودان بين الجيش الحكومي وميليشيا الدعم السريع، وفي الشمال الشرقي يوجد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتطور الأمر لحرب محتملة على الأراضي اللبنانية.

اقرأ أيضًا: إعادة الحياة إلى الصناعة المصرية.. الدولة تتحرك لدعم 5800 مصنع متعثر

وعلى جانب أخر غربًا، تعاني ليبيا من عدم استقراري سياسي رغم بعض الهدوء النسبي عن السنوات الماضية، إلا أنه لا يمكن القول أن الوضع تحت السيطرة بالكامل من جانب الأجهزة الليبية المعنية.

أما فيما يخص منطقة البحر الأحمر والحدود الشرقية، فهناك توترات عسكرية تسببت بها الهجمات الحوثية على السفن التجارية، بجانب إطلاق الصواريخ على إيلات الإسرائيلية، والتي كانت بمثابة “الحجة” للسفن الأمريكية والغربية للتواجد بكثرة في المنطقة.

كل هذا إلى جانب الدور المصري الفعال الذي لعبته الدولة على مدار سنوات في التصدي لمحاولات التوغل الإثيوبي داخل دول القرن الإفريقي، وبشكل خاص في الصومال، بالإضافة لتمسك أديس أبابا بالتسويف و”البلطجة السياسية” فيما يخص أزمة سد النهضة، مما قد يجعل الجيش المصري مضطرًا للتعامل مع غطرسة البعض.

التوازن المصري بين الاحتياجات

ورغم أن اقتصاد الحرب قد يكون ضروريًا في حالة تصاعد التوترات، إلا أن مصر تسعى حاليًا لتحقيق التوازن بين تأمين الاحتياجات الدفاعية والاقتصادية في ظل الظروف الاستثنائية.

جدير بالذكر أن تطوير الجيش المصري خلال العقد الماضي عزز من استعداد البلاد لمواجهة التحديات الأمنية دون الحاجة الفورية لتطبيق هذا النظام، ومع ذلك، إذا استمرت الاضطرابات الإقليمية وزادت التهديدات على إمدادات الطاقة أو البنية التحتية، قد تجد مصر نفسها مضطرة لتحويل مواردها نحو الجهود الحربية، ما سيؤثر على الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى